تونس قادرة في المستقبل على تحقيق نمو برقمين حسب عزام محجوب

أكد الخبير الاقتصادي عزام محجوب في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء “: إن الاقتصاد التونسي، الذي تفشت فيه ظاهرة الفساد، في حاجة أكيدة اليوم إلى إعادة النظر في النموذج المعتمد على أساس وفاق وطني بهدف تحقيق التوازن الجهوي” …



تونس قادرة في المستقبل على تحقيق نمو برقمين حسب عزام محجوب

 

أكد الخبير الاقتصادي عزام محجوب في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء : إن الاقتصاد التونسي، الذي تفشت فيه ظاهرة الفساد، في حاجة أكيدة اليوم إلى إعادة النظر في النموذج المعتمد على أساس وفاق وطني بهدف تحقيق التوازن الجهوي"

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تونس في حاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى إرساء علاقات جديدة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي وذلك في المجالات المؤسساتية والاقتصادية . وفي ما يلي نص الحوار مع محجوب عزام :

لقد ساهمتم في إعداد عدة تقارير حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس والعالم العربي. فما هي تصوراتكم لمؤشر التنمية البشرية في تونس في الوقت الحالي؟

إن تونس، التي من المفترض أن تكون بلدا متطورا، تقدم صورة معاكسة تماما عندما يتعلق الأمر بالجهات. ويظهر هذا التفاوت الجهوي أكثر عند دراسة مختلف مكونات مؤشر التنمية البشرية .

فالأسباب التي جعلت البلاد تحقق نسب ضعيفة للتنمية البشرية تكمن بالخصوص في ارتفاع نسبة الأمية عند الكهول في المناطق الريفية التي تصل إلى حدود 36 بالمائة مقابل 18 بالمائة على الصعيد الوطني .

والاقتراح الذي يمكن أن أقدمه، في هذا الصدد، يتمثل في ضرورة الحد، خلال السنوات الثلاث القادمة، من ظاهرة الأمية باعتبار محاربتها الركيزة الأساسية للتنمية بالنسبة لتونس الجديدة. فهذا الهدف في المتناول إذا توصلنا إلى تعبئة الشباب والطلبة .

كما أشير إلى ضرورة العمل على تحسين مختلف مكونات مؤشر التنمية البشرية (الصحة والتعليم والتشغيل والدخل) في الجهات الداخلية للبلاد .

ففي مجال الصحة لا بد من الحد من النقائص المسجلة في مجال البنية الأساسية الصحية والإحاطة الطبية بما يمكن من تحسين مؤشر الأمل في الحياة عند الولادة الذي رغم تحسنه على المستوى الوطني فان التفاوت الجهوي في هذا المجال يبقى كبيرا .

أما على مستوى التعليم فلا بد من مواجهة مشاكل الانقطاع المبكر عن التعليم والرسوب والعمل على تحسين جودة البرامج التعليمية .

وفي ما يتعلق بالتشغيل والدخل فان تونس مطالبة بتشريك متساكني الجهات في صياغة المخططات التنموية الجهوية التي يتم وضعها سابقا من قبل مسؤولين ليسوا على دراية تامة بخصوصية الجهات .

فالمرحلة القادمة تتطلب اقتصادا يكون في خدمة المواطن وتوزع ثماره بصفة عادلة ولا يمكن أن يكون النمو هدفا في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق رفاه المواطن .

ماهي أولويات تونس في الظرف الحالي في هذا المجال؟

يتجسم مفهوم التقارب الجهوي في قدرة المناطق الداخلية على تحقيق عدة مؤشرات تهم البنية الأساسية وخدمات الصحة في آجال معقولة على غرار ما هو معمول به في المناطق الساحلية .

ولتحقيق هذا التمشي ينبغي وضع خطط على المدى المتوسط (10 سنوات) ترمي إلى تركيز منظومة متكاملة في مجالات الاستثمار والبنى التحتية .

ولا بد من التركيز على التقليص من الفوارق الجهوية في مستوى علاقات تونس بالاتحاد الأوروبي من اجل خلق توازن بين جنوب البلاد وشمالها على غرار نجاح تجربتي كل من البرتغال واسبانيا في تحقيق التوازن الجهوي المنشود مع أوروبا .

تحدثتم عن مقاربة الحق في التنمية هل من توضيح حول هذه المقاربة؟

 لقد كرست ندوة دولية انعقدت منذ سنوات الحق في التنمية الذي يعني التمتع الفعلي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الصحة والتربية) والسياسية والحريات المدنية. هذا يتلاقى مع شعارات الثورة التونسية التي طالبت بالحق في التشغيل والعدالة الاجتماعية والتنمية العادلة ومكافحة الفساد .

وبناء على ذلك يصعب تصور احترام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية دون مبدأ الديمقراطية وبالتالي المشاركة الفعلية للمواطنين في ممارسة السلطة .

وقد أظهرت الانتفاضة الشعبية الكبيرة أن الفساد أصبح ممنهجا خلال السنوات الأخيرة .ان انتشار الفساد يمر بثلاثة مراحل. في الأول يكون الفساد عرضيا ثم يصبح منظما ثم يتحول إلى فساد أجهزة ومنظومات حين يطال المنظومات السياسية والاقتصادية والمؤسساتية .

لدينا في تونس منظومة اقتصادية "شبه ليبيرالية" لوثها فساد منظوماتي جعل إعادة البناء اليوم تبدو صعبة . ولا يمكننا الحديث عن إعادة بناء للاقتصاد دون أن نأخذ في الاعتبار كامل البناء السياسي والاجتماعي والمؤسساتي .

والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه اليوم هو التالي: كيف يمكننا المرور حقا إلى نظام يقوم على الشفافية ودولة القانون واستقلالية القضاء .

وفيما يخص عالم الأعمال يجب إدراك أنه علاوة عن الصعوبات الحالية التي يمر بها يبقى عالما فاسدا صلب نظام شبه مافيوي .

ماهو تقديركم للوضع الاقتصادي في تونس في الوقت الراهن ؟

جواب : لا شك أن الوضع الاقتصادي على المدى القصير يعتبر صعبا ,انه ثمن حريتنا, فلا وجود لثورة في العالم أو فترة ما بعد ثورة لم تعرف صعوبات. وان نظامنا كان يقوم على منطق القوة والدكتاتورية والفساد مما جعل عدم الاستقرار أمرا لا مناص منه .

إن الصعوبات على هذا المستوى حقيقية مع نقص يجب تلافيه في الإنتاج والتصدير إلى جانب خسائر ناجمة عن عمليات النهب والتخريب المنظمة .

وإذا ما حاولنا التدقيق في الأسس الرئيسية التي يستند إليها الاقتصاد (التضخم وعجز الميزانية والمديونية والعمليات الجارية) نجد أنها مازالت في مرحلة دون الخطر .

ولا يمكن مقارنة حالة عدم الاستقرار التي تعيشها تونس بما عرفته البرتغال واسبانيا عقب ثورتيهما. اعتقد إن الوضعية الحالية مقترنة بالاستقرار النسبي للسلطة المؤقتة .

والأكيد أن مدخرات تونس من العملة الصعبة في تراجع ولكن ذلك لا يمكن مقارنته بالأزمة التي عرفتها سنة 1986 حيث كانت على حافة الإفلاس. كما إن مستوى مديونية تونس يعتبر متوسطا لكن يجب ملازمة اليقظة .

وان تونس لقادرة في المستقبل على تحقيق نمو برقمين في حال إحكام التصرف في هذه الفترة الانتقالية وتوصلها إلى اتفاق هام بشان مثال التنمية إلى جانب توفير استقرار سياسي وقضاء مستقل .

إن إعادة بناء البلاد ليست مسالة أسابيع أو أشهر بل يتعلق الأمر بعملية طويلة المدى تشمل عديد المراحل ونهايتها غير مضمونة .

وهناك إمكانية تحريف مسار الثورة والالتفاف عليها وفي هذه الحال قد تبرز من جديد إشكال استبداد تخفف من وطأتها بعض مظاهر الحرية الشكلية .

إن إعادة بناء تونس ممكنة إذا ما تبنينا أهدافا قابلة للتحقيق. ولاستعادة الثقة يكفينا تأمل حركية الشباب وكيفية تصرفهم في مختلف الفضاءات .

لا يجب استعمال ضمير الغائب عند الحديث عن التونسيين.فعوضا عن التساؤل هل التونسيون قادرون على تحقيق النجاح؟ علينا طرح السؤال كالأتي : هل أنا قادر من موقعي وبما افعله على تجاوز الوضع ؟ ويجب آن تكون الإجابة : نعم نحن قادرون .

وماذا عن المطالب الاجتماعية؟

إن المناخ الاجتماعي هو بين أيدي الشركاء الاجتماعيين وهو ما يؤكد أهمية ترسيخ مناخ التوافق والحوار البناء. ويتعلق الأمر هنا ببحث السبل الكفيلة بالتخفيض من سقف المطالب الاجتماعية في المرحلة الراهنة والعمل على تلبية العاجل منها مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الاقتصادية المطروحة والنموذج الاقتصادي غير العادل .

وخلاصة القول يتعين توفير حلول للمطالب العاجلة أما ما يتعلق منها بتحسين القدرة الشرائية بصفة كبيرة فلا بد من تقليصها وتأجيلها في انتظار تأمين ظروف انتعاشة حقيقية للاقتصاد. وعلى الشركاء الاجتماعيين الاضطلاع بمسؤولياتهم التاريخية والأساسية لترشيد التصرف على المدى القصير .

أما على المدى المتوسط فيجب إجراء مفاوضات حقيقية تفضي إلى اتفاق حقيقي لم تفلح تونس في التوصل إليه من قبل .

واعتقد انه على رجال الأعمال ان يضعوا نصب أعينهم أنهم طرف فاعل في مسيرة البناء الديمقراطي وعليهم تبعا لذلك أن يراجعوا مواقفهم وخاصة الخروج من نظام تسوده الرشوة والزبونية والفساد. ومن المهم أيضا إرساء مناخ أعمال سليم وشفاف وقضاء مستقل وإدارة نزيهة .

ويكمن الهدف الأسمى للثورة في ترسيخ أسس مجتمع أخر واقتصاد أخر يرتكز على الإنتاج ويضمن التوزيع العادل للثروات وتجاوز الوضعيات الهشة والجلية في المؤسسات وتكريس الحد الأدنى من الديمقراطية .

(وات)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.