تونس ــ قراءة قانونية في محاكمة بن علي وفي الفصل 141 المثير للجدل: ما مدى عدالة المحاكمة؟ وأين أخطأ لسان الدفاع؟

جدل كبير رافق محاكمة الرئيس المخلوع وزوجته وردود فعل متشنجة تلت التصريح بالحكم, فأثناء المحاكمة لاحظ لسان الدفاع وجود خطأ واضح في الإجراءات القانونية ومخالفة صريحة للفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية. ولم تكد المحكمة تصرح بحكمها حتى علّق المحامي اللبناني أكرم عازوري، الوكيل …



تونس ـ قراءة قانونية في محاكمة بن علي وفي الفصل 141 المثير للجدل: ما مدى عدالة المحاكمة؟ وأين أخطأ لسان الدفاع؟

 

جدل كبير رافق محاكمة الرئيس المخلوع وزوجته وردود فعل متشنجة تلت التصريح بالحكم, فأثناء المحاكمة لاحظ لسان الدفاع وجود خطأ واضح في الإجراءات القانونية ومخالفة صريحة للفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية. ولم تكد المحكمة تصرح بحكمها حتى علّق المحامي اللبناني أكرم عازوري، الوكيل القانوني للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بأن المحاكمة "غير موجودة… لأنه لم يتم فيها مراعاة حقوق الدفاع، ولم يبلغ الرئيس بموعد الجلسة، ولم يسمح لمحامي الدفاع الذين اختارهم الرئيس (المخلوع) بممارسة حقوق الدفاع" فما مدى وجاهة هذه الطعون القانونية؟.

يشترط الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية في فقرته الأولى "على المضنون فيه الواقع تتبعه من أجل جناية أو جنحة تستوجب العقاب بالسجن أن يحضر شخصيا بالجلسة". ومعلوم أن شرط الحضور من أهم شروط المحاكمة العادلة تناغما مع الفصل 12 من الدستور التونسي الذي ينص على أن "كل متهم بجريمة بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه".

"وإذا لم يحضر المضنون فيه بعد استدعائه قانونا… جاز للمحكمة أن لا تتوقف على ذلك لمباشرة المرافعة وأن تصدر عليه حكما غيابيا إذا لم يبلغه الاستدعاء شخصيا أو حكما يعتبر حضوريا إذا بلغه الاستدعاء شخصيا" (الفقرة الثانية من الفصل 141 سابق الذكر)

وقد لاحظ لسان الدفاع خللا في إجراءات استدعاء منوبه بدعوى أنه موجود حاليا بالخارج وأن القانون يقتضي أن يكون استدعاؤه قبل 30 يوما من موعد المحاكمة في حين لم يرسل هذا الاستدعاء إلا بتاريخ 14 جوان.

فرد عليه القاضي بأن "المتهم يعتبر بحالة فرار وقد عهد للأنتربول الدولي جلبه إلا أن ردوده جاءت سلبية، وهو ما يجيز للمحكمة الحكم عليه غيابيا".

الفرق بين المقيم والهارب

وحتى نفهم هذا النقاش علينا بالعودة إلى منطوق الفصل 136 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يحدد الأجلين التاليين:

"يجب أن يكون الأجل بين يوم توجيه الاستدعاء واليوم المعين للحضور بالجلسة ثلاثة أيام على الأقل.

وإذا كان المستدعى قاطنا خارج تراب الجمهورية يكون الأجل ثلاثين يوما". والرأي عندنا أن القضاء التونسي كان في هذه النقطة على صواب لأن أجل الثلاثين يوما تخص من يقيم في الخارج لسبب مباح (العمل او السياحة او الدراسة…)

بعد أن يعلن قانونيا عن مقر إقامته. أما الرئيس المخلوع فهو هارب من بلاده ولم يعلن عن مقر إقامته في الخارج بل إن وسائل الإعلام هي التي تخمن بقاءه إلى اليوم في جدة ولهذا كله يتوجّب قانونا توجيه استدعاء الحضور إلى آخر مقر معلوم له في تونس قبل ثلاثة أيام من المحاكمة على الأقل.  

وكان قاضي التحقيق طبق قبل المحاكمة القانون اعتمادا على الفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص على أنه "إذا فر المتهم تفصيا من التتبع المجرى ضده فللمحكمة أن تصدر في شأنه بطاقة جلب أو بطاقة إيداع وفي صورة عدم تنفيذ البطاقة الصادرة بحسب الأحوال يحكم على المتهم غيابيا".

ثم وجدت هيئة المحكمة نفسها مجبرة على تطبيق الفصل 175 من المجلة ذاتها فهو ينص على أنه "إذا بلغ التنبيه لشخص المتهم ولم يحضر في الأجل المعين فلا يتوقف الحاكم على حضوره ويصدر حكما يعتبر حضوريا
وإذا استدعي المتهم بصفة قانونية ولم يحضر يحكم عليه غيابيا رغم عدم بلوغ الاستدعاء إليه شخصيا…"

حرمان من المرافعة

قال المحامي اللبناني أكرم عازوري أن هيئة المحكمة "لم تسمح لمحامي الدفاع الذين اختارهم الرئيس (المخلوع) بممارسة حقوق الدفاع" وهذه حقيقة فهيئة المحكمة استمعت للسان الدفاع في الناحية الشكلية فقط وخاصة منها مناقشة مدى قانونية الاستدعاء كما بينا سابقا ورفضت السماح بالمرافعة في الأصل أي في الوقائع أملا من الدفاع في إثبات البراءة.

ويعود السبب إلى أن القانون التونسي يمنع مثل أغلب القوانين في العالم الدفاع عن متهم هارب من العدالة.

فالمبدأ أن يحضر المطلوب وأن يشرع في الدفاع عن نفسه بنفسه قبل أن يتدخل محاميه أو محاموه. وإذا تحصن بالفرار فما على لسان الدفاع إلا الاكتفاء بتسجيل حضوره.

هذا المبدأ أثار ويثير الكثير من الجدل بين رجال القانون في العالم فانقسموا بين مؤيد ورافض وقد توصل المشرّع الفرنسي مثلا الى ما يشبه الحل التوفيقي عندما أباح إمكانية ترافع المحامي عن المتهم الغائب إذا كانت العقوبة القصوى للتهمة المنسوبة إليه لا تفوق سنتين سجنا.

لكن هل أن المحامي ممنوع من الدفاع عن موكله الغائب شفاهيا فحسب أم بكل الوسائل؟

الإجابة تكفلت بها محكمة التعقيب التي قررت في أحد قراراتها "ولئن استقر عمل المحاكم على عدم السماح للمحامي بأن يترافع في حق منوبه الذي لم يحضر بالجلسة فلا شيء يمنعه من تقديم مرافعته في شكل تقرير كتابي"
وبهذا يكون لسان الدفاع قد فوّت على نفسه إمكانية الدفاع عن موكله كتابيا بما أنه لا شيء يمنعه من ذلك ألا إذا خيرت هيئة المحكمة مخالفة القانون والعدالة في هذه النقطة بالذات.

عادل العبيدي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.