تونس- هل تكون حركة النهضة الخاسر الأكبر من انتخابات المجلس التأسيسي؟

لم تسرق حركة النهضة فوزها بانتخابات المجلس التأسيسي، ولم تهضم حق شريكيها في الحكومة عندما استأثرت برئاستها ووزارات السيادة فيها فضلا عن العدد الأكبر من باقي المقاعد الوزارية، لكن هل تجد نفسها لاحقا ضحية هذا الفوز؟ وهل تعض على الأنامل حسرة عليه؟…



تونس- هل تكون حركة النهضة الخاسر الأكبر من انتخابات المجلس التأسيسي؟

 

لم تسرق حركة النهضة فوزها بانتخابات المجلس التأسيسي، ولم تهضم حق شريكيها في الحكومة عندما استأثرت برئاستها ووزارات السيادة فيها فضلا عن العدد الأكبر من باقي المقاعد الوزارية، لكن هل تجد نفسها لاحقا ضحية هذا الفوز؟ وهل تعض على الأنامل حسرة عليه؟

 

يبدو السؤالان عبثيين وغريبين في ظاهرهما، لكننا نملك مبررات طرحهما بكل حياد قبل أن نحاول الإجابة عنهما بموضوعية.

 

صحيح أن خصوم النهضة (داخل المجلس التأسيسي وخارجه) اعترضوا على عدد الوزراء في الحكومة الجديدة وعلى بعض وجوهها (مثل مدى أحقية طارق ذياب بحقيبة وزارية) لكن إذا ما استثنينا هذا نجد أن النهضة وحليفيها (التكتل والمؤتمر) رشحوا لعضوية الحكومة شخصيات تتمتع بالكفاءة والدراية والخبرة في المجال الذي يعنيها، غير أن أداء الحكومة لا يرتبط بالكفاءة بقدر ما يتأثر بالعوامل الخارجية وهي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 

ولعل خير مثال على ما نقول نجده في سقوط حكومة جورج باباندريو في اليونان فهل أن الظروف مهيأة في تونس لتعمل الحكومة وتطبق برامجها؟

 

لا يمكننا غير الإجابة بالنفي لأن كل الظروف الحالية تعاند حكومة الجبالي وأولها الزمن، فالفترة الحالية فترة تأسيسية موجزة قد لا تتعدى مدتها سنة ونصف سنة وهي فترة انتقالية والأهم من هذا أنها تجريبية أي أن التونسي سواء كان مناصرا للترويكا أو معاديا لها سينتظر مدة قصيرة نسبيا للحكم على أداء الحكومة قبل أن يكيف موقفه منها في الانتخابات القادمة أي الانتخابات الأهم.

 

نتمنى صادقين أن تنجح حكومة الجبالي في تجربتها السياسية الأولى لأن نجاحها يعني النجاح لتونس كلها لكننا نستبعد ذلك ليس لأننا محكومين بالتشاؤم وليس من باب الشماتة في النهضة وحليفيها ولكن فقط من باب الاستشراف الموضوعي.

 

فنجاح الحكومة رهين تحقيق نسبة جيدة في النمو، وهذا الهدف محكوم بالحد من نسبة البطالة, وتخفيض هذه النسبة يتطلب المزيد من الموارد المالية وتشجيع الاستثمار الخارجي لبعث المشاريع، وهذا المطلب الأخير يحتاج إلى ظروف اجتماعية معينة يسود فيها الاستقرار.. فما المتوفر من هذا كله؟

 

بأسف كبير نقول لاشيء لأن تحقيق نسبة النمو تحتاج إلى معجزة إلاهية وليست بشرية، ولأن نسبة البطالة تسير في خط تصاعدي ولأن خلق موارد شغل جديدة في تونس يبدو صعب المنال حسب المراقبين بسبب سياسة الاعتصامات التي أصبحت موضة هذه الأيام.

 

خلال الأسبوع الماضي، خسرت أم العرائس مثلا ألفين ومائتي موطن شغل بسبب الاعتصام وقد تنتقل العدوى إلى مصانع وشركات أخرى في بقية أنحاء البلاد والأهم من هذا أننا بصدد تقديم إشهار عالمي سيئ لعاقبة بعث المشاريع في تونس.

 

لا نعتقد أن حكومة الجبالي تملك عصا سحرية ولا نعتقد في امتلاكها الكرامات الإلهية فما الذي تملكه فعلا لإنقاذ الوضع؟

 

في قراءة بسيطة لما حدث وما يمكن أن يحدث من تحركات وتوجهات نلاحظ أن النهضة (الشريك الأقوى والأهم في الحكومة) كثفت ونخالها ستكثف من اتصالاتها الخارجية لجلب المستثمرين الأجانب و تلميع صورتها وتحسين علاقاتها علاوة على البحث عن مواطن شغل للتونسيين في الخارج.

 

لكن لكل ثمنه فقد أغضبت شقا من التونسيين وأحرجت بعض مؤيديها عندما تقربت من قطر وآثرت عدم الخوض في مسألة تسلم الرئيس المخلوع حتى لا تعادي المملكة السعودية وغيرت موقفها من إسرائيل حتى ترضى عنها الولايات المتحدة وتنازلت عن بعض أفكارها حتى تكسب ثقة الأوروبيين وخاصة منهم الفرنسيون….

 

تبدو النهضة كاللاعب الذي يملك عددا كبيرا من الحوافز في لعبة الكترونية لكنها مضطرة إلى التنازل عن مجموعة منها إلى هذه الجهة ومجموعة أخرى إلى تلك والخوف أن تواصل هدر رصيدها الضخم من الحوافز حتى تستنفذه كله فتخسر اللعبة.

لا شك أن حكومة الجبالي ستستنفد كل طاقتها في سبيل النجاح فتضمن لنفسها أجرا واحدا على الأقل ولكن المشكلة أن التونسيين (وجانب من مناصريها) سيحاسبونها بعد سنة ونصف على فشلها لو قدر لها أن تفشل وسيحاسبونها على تنازلاتها لو وفقت في النجاح فتجد نفسها خاسرة في الحالتين دون ذنب منها، لأن ذنبها الوحيد أنها حققت الفوز الذي تستحق في غير وقته.

 

"هذا ما جناه علينا فوزنا في التأسيسي ولم نجن على أحد" قد نسمع هذا القول بعد سنة ونصف على ألسنة النهضاويين ما لم نصدف في استشرافنا لطبيعة الوضع في تونس.

 

عادل العبيدي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.