تونس ــ بين الحكومة واتحاد الشغل انطلقت المواجهة. فلمن تكون الغلبة؟

تبادل مباشر وغير مباشر للتهم، اعتداءات ومحاولات اعتداء، وقفات احتجاجية، ليّ ذراع… لا شيء ينبئ بإمكانية احتواء أزمة الثقة بين الحكومة ممثلة خاصة في حركة النهضة وبين الاتحاد العام التونسي للشغل، بل إن فتيل المواجهة يواصل اشتعاله فلمن تكون الغلبة؟

تونس ــ بين الحكومة واتحاد الشغل انطلقت المواجهة. فلمن تكون الغلبة؟

 
 

تبادل مباشر وغير مباشر للتهم، اعتداءات ومحاولات اعتداء، وقفات احتجاجية، ليّ ذراع… لا شيء ينبئ بإمكانية احتواء أزمة الثقة بين الحكومة ممثلة خاصة في حركة النهضة وبين الاتحاد العام التونسي للشغل، بل إن فتيل المواجهة يواصل اشتعاله فلمن تكون الغلبة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال الجوهري سنحاول التطرق إلى جذور الخلاف بين الطرفين وتطوره، ثم تقييم أسلحة كل طرف ومدى نجاعتها.

لم تكد حركة النهضة تنهي احتفالها ونشوتها بفوزها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حتى أنهى الاتحاد العام التونسي للشغل مؤتمره في طبرقة… من سوء حظ هذه الحركة ذات التوجهات الإسلامية أن ينفض ذلك المؤتمر بصعود قيادة جديدة ذات ميولات يسارية.

بدا التعايش بين الطرفين مستحيلا لاعتبارات فكرية وقد حاولا في البداية التوصل إلى أرضية تفاهم عبر تقديم بعض التنازلات من هذا الجانب وذاك فرأينا الاتحاد العام التونسي للشغل يتكرم للحكومة ذات الأغلبية "النهضاوية" بسلاحه المقدس وهو الإعلان عن رفضه الاعتصامات (العمالية) والإضرابات عن العمل حتى تتفرغ الحكومة إلى تنفيذ برامجها. لكن شهر العسل انتهى بسرعة ربما لاقتناع القيادة النقابية بأنها أعطت دون تأخذ أو على الأقل قدمت أكثر مما أخذت. وربما لأسباب أخرى كمثول الأمين العام السابق للاتحاد أمام قاضي التحقيق في قضية طالبة الطب.

المهم أن اتحاد الشغل أعلنها صراحة على لسان أمينه العام "أنه لا يمكن العمل مع هذه الحكومة (يقصد حكومة الجبالي) واصفا إياها بالمؤقتة من منطلق أن مهمتها تنتهي بإتمام صياغة الدستور الجديد للبلاد وعليه فإنه من الصعب ضبط خطة عمل متوسطة أو بعيدة المدى معها".

ليس "لقمة سائغة"

كان التونسيون يتجادلون ويسفسطون حول الداعية المصري وجدي غنيم عندما أيدت المنظمة النقابية العريقة حق أعوان التنظيف في الإضراب عن العمل حتى يحققوا مطالبهم المشروعة فزلزلت الأرض تحت أقدام رجال الحكومة ومن والاهم لأنهم وجدوا أنفسهم بين نارين: نار الاستجابة للمطالبة وهذا مستحيل لإثقاله كاهل الميزانية، وبين منع الإضراب بالقوة وهذا أيضا مستحيل في دولة تخطو أولى خطوات الديمقراطية وتعترف بحق الإضراب.

النتيجة الواقعية هي إغراق المدن وأحيائها في القمامة رغم اجتهادات شباب النهضة في محاولة الحلول محل أعوان التنظيف، ولكن الأهم من هذا أن الاتحاد العام التونسي للشغل وجه رسالة مضمونة الوصول وغير مشفرة إلى الحكومة الانتقالية عموما وحركة النهضة خصوصا حول قوته.

وهذا ما يتجلى في إعلان الأمين العام للإتحاد التونسي للشغل حسين العباسي بأنّ "الاتحاد لن يكون أبدا لُقمة سائغة لأيّ طرف كان وأنه لا يمثّل أبدا حركة النهضة وأن ليس هناك أي شخص أو طرف حكومي بإمكانه توظيف الاتحاد لأغراضه السياسية أو حساباته الضيقة" وفق ما نقلته "المصدر" عنه الخميس الماضي.

يملك الاتحاد إذن سلاحا فعالا ومدمرا (الإضرابات) في مواجهة الحكومة التي تحالف عليها خصومها ومعارضوها مع الكوارث الطبيعية. فما هو سلاحها في هذه المواجهة؟

حرب خاسرة

من سوء حظ الحكومة أنها لا تملك حولا ولا قوة في هذا المجال لأن كل الظروف تعاندها فهي لا تستطيع أن تفرض هيبة الدولة بالقوة نظرا لحساسية هذه الفترة الانتقالية وهي لا تملك الوسائل الكافية للتدخل. صحيح أنها تدخلت أحيانا لفك بعض الاعتصامات والإضرابات ولكن هذا التدخل يصبح مستحيلا عندما يتعلق بقطاع كامل مثل البلديين أو رجال التعليم أو شركات النقل العمومي أو رجال الأمن…

الأكثر مرارة بالنسبة إلى الحكومة (حلاوة لخصومها) أنها تفتقر إلى البروباقندا والدعاية (السياسية) فهي لا تملك وسائل إعلام خاصة ولا متعاطفة عدا بعض الصحف التي تتحسس طريقها في المشهد الإعلامي وهي لا تحظى بموالاة وسائل الإعلام العمومية ولعل هذا أحد أسباب سخط النهضة على القناتين الوطنيتين وعملها على تغيير قيادات بعض الصحف والإذاعات.

لم يبق للنهضة غير التعويل على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة منها صفحات الفايس بوك وتجنيد أنصارها مستفيدة في ذلك من قاعدتها الشعبية العريضة فتكفلوا بالدفاع عن برامجها ومواقفها وراحوا يؤلبون الرأي العام ضد منتقديها ومعارضيها حتى حولوا قطر إلى دولة شقيقة، وماك كاين إلى ولي حميم، وموضوع جلب الرئيس الهارب إلى موضوع تافه، وحق الإضراب إلى خيانة، والإعلام كله إلى إعلام العار…

هل تصرفوا تلقائيا عندما اعتدوا على بعض مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل أم كان الأمر بتوصيات من بعض قياديي النهضة؟

إن كان الاحتمال الأول صحيحا فهو لا يقنع، وأن كان الصواب في الثاني فهو معقول من وجهة نظر موضوعية لأن الحرب تفترض اعتماد كل الوسائل المتاحة ولأن من يمسك بالسلطة يستعمل كل ما يملك من أسلحة ليحمي سلطته. لكن الظاهر (من وجهة نظر شخصية) أن النهضة لا تملك في الظروف الحالية ما يكفي من الأسلحة لمواجهة الإتحاد العام التونسي للشغل، وما عليها إلا تغيير تكتيكها في التعامل معه فبالسياسة يمكن تحقيق ما تعجز عنه القوة.

 

آدم القروي

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.