اللّعب بنار الشّريعة

من بين الصّور الّتي أثارت عند نشرها الكثير من الاستهجان والانتقاد مشهد جلد امرأة سودانيّة علنا في ساحة عامّة، وكان ذلك في إطار تنفيذ حكم شرعيّ. ذلك المشهد الّذي تمّ تداوله في حينه على مختلف المواقع الاجتماعيّة استهدف بشكل ما الإحالة إلى الوجه المخفيّ في ما يخصّ “دولة الشّريعة الإسلاميّة”

اللّعب بنار الشّريعة

 
 

من بين الصّور الّتي أثارت عند نشرها الكثير من الاستهجان والانتقاد مشهد جلد امرأة سودانيّة علنا في ساحة عامّة، وكان ذلك في إطار تنفيذ حكم شرعيّ. ذلك المشهد الّذي تمّ تداوله في حينه على مختلف المواقع الاجتماعيّة استهدف بشكل ما الإحالة إلى الوجه المخفيّ في ما يخصّ "دولة الشّريعة الإسلاميّة" الّتي مثالُها سودان البشير وأفغانستان القاعدة وصومال الجماعات الإسلاميّة والّتي أرقَى صورها ديكتاتوريّة آل سعود بجزيرة العرب وطغيان المرشد الأعلى بخليج فارس .

إنّ فَتْحَ باب الشّريعة اليوم في تونس الرّاهن يفتَح هو كذلك نوافذ لا أحد يريدها أن تُشرَّع منها حدود حريّة المرأة بما في ذلك "نادرة ختانها" ومنها قواعد الحدود من قطعٍ للأيدي وجلدٍ ورجمٍ وصلبٍ وقتلٍ للمرتدّ. ثمّة سُموم تحملها الرّيح لا يمكن لتفاؤل "الإسلاميّين" حتّى الغُرور أن يبدِّدها ذلك أنّنا في تونس البلد المسلم الوحيد الّذي انتصر فيه "الإسلاميّون" في انتخابات ديمقراطيّة دون الحصول على الأغلبيّة المطلقة، وتلك إشارةٌ من باب التّعقّل أن يقِف المغترّون بالصّدارة عندها جيّدا .

من المفيد التّذكير بأنّنا سنفرِّق بفتح قضيّة الشّريعة والدّستور الدّمَ من جديد بين الفقهاء والمذاهب والمدارس. ذلك سيُمكِّن من منافذ ستصدِم التّونسيَّ الّذي يعيش انسجاما مع إسلامه كما أَلِفَه، إذْ لا شكّ أنّ هذا الباب سيُؤدِّي حَبَّ الفاتحون أم كرهوا إلى قضايا غريبة عن مألوفنا من طبيعة طاعة الزّوجة وتحريم التّصوير والفنون ومحاربة "رِبَى البنوك" ولِمَ لا إرضاع الكبير وكثير من "القنابل" الّتي ستفجِّر الذّهولَ وستبذُر بذلك الفتنةَ الّتي هي أشدّ من القتل .

تعتقد حركة النّهضة أنّ رميها لكرة الشّريعة ستعود به إلى ملعب ما قبل الانتخابات التّأسيسيّة إذْ سيُمكِّنها من العودة إلى ثنائيّة المسلم المطالِب بتضمين الشّريعة كمصدر من مصادر التّشريع في الدّستور وبمختلف القوانين والكافر الّذي يقِف ضدّ ذلك.

المشكلة هنا أنّ الّذين سيقفون ضدّ هذا التّصوّر النّهضويّ سيجيبون هذه المرّة عن الأسئلة الّتي ستولد في أذهان التّونسيّين المسلمين المعتدلين وهم الأغلبيّة، ذلك سيكون حين يفصلون بين الإسلام الوهابيّ المتشدّد الّذي رفضَه علماء الدّين بتونس في حينه وبين الإسلام المعتدل الّذي بَرَّزَ فيه المفكّرون المصلحون التّونسيّون مثل خير الدّين التّونسيّ وابن أبي الضّياف والطّاهر بن عاشور والفاضل بن عاشور وغيرهم.

الأهمّ هو أنّ هذا سيفصل بين جماعات تثبِت مُتونُها وتجذُّرَها في التّصوّر المتشدّد للإسلام تجذّرا بات من الواضح تمسّكها به، وبين الطّرف الآخر الّذي صُوِّرَ قبل الانتخابات التّأسيسيّة كافرا الّذي يميل إلى تصوّر للإسلام ميزته لا في كونه تصوّرا معتدلا فقط، وإنّما يتميَّز إلى ذلك بكونه تصوّرا تونسيّا أصيلا. ها هنا قد يفرِض جَدَلُ الشّريعة الخروجَ من ثنائيّة مسلم وكافر الّتي تسعى النّهضة أن تُعيد المتنافسين إليها إلى ثنائيّة أخرى قِوَامُها حدود الانتماء إلى الوطن من الانتماء إلى ما هو أبعد منه ممّا هو مناقض له باعتباره خلاصة من القيم والقواعد والثّوابت الّتي حافظنا بها طوال عقود على السّلم الاجتماعيّ دون أن نَجِد حاجَةً تستدعي منّا التّساؤل الحائر حول هويّتنا .

 

صالح رطيبي / اعلامي من تونس

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.