من يحرك الثورة المضادة في تونس؟

تعيش تونس خلال هذه الفترة الصعبة من تاريخها ملامح ثورة مضادة والتي تعرف على أنها إجراء مضاد لإجهاض الثورة الحقيقية والهاء الشعب والمجتمع عن البحث في المطالب والأهداف التي قامت من …



من يحرك الثورة المضادة في تونس؟

 

تعيش تونس خلال هذه الفترة الصعبة من تاريخها  ملامح ثورة مضادة  والتي تعرف على أنها إجراء مضاد لإجهاض الثورة الحقيقية والهاء الشعب والمجتمع عن البحث في المطالب والأهداف التي قامت من أجلها الثورة ومدى تحقيقها.

 

فبعد أكثر من عام على اندلاع ثورة 14 جانفي لم يتم تنفيذ خطوات جريئة نحو تحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها الشغل والحرية والكرامة الاجتماعية. وظلت تونس تعيش في دائرة مظلمة لم تتمكن من الخروج منها حتى بعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي التي طالتها العديد من الشوائب ونقاط الضعف في التنظيم والتجاوزات المسجلة من قبل عدد من الأحزاب السياسية التي تحتل مقاعد حاليا في المجلس التأسيسسي مما أفرز حالة من التشنج وتبادل للاتهامات وسط المشهد السياسي.

 

وأصبحت الاتهامات توجه صراحة إلى السياسيين الذين أعلنوا في في حملاتهم الانتخابية في المدن والجهات وفي الشوارع والأحياء التزامهم بتحقيق أهداف الثورة غير أنهم اليوم وبمجرد جلوسهم على كراسيهم الفخمة بالمجلس الوطني التأسيسي أو بالوزارات لم يعودوا يتحدثوا عن التزام عن تلك المطالب التي وعدوا بتحقيقها بل وأصبحوا يتهمون لكل من يرفع شعر المطالب الاجتماعية بالتآمر ويشككون حتى في وطنية المحتجين والمعتصمين الذين نفد صبرهم من المماطلة.

 

ولم تكن الاتهامات المتبادلة بين الحكومة المؤقتة وأحزاب المعارضة والاتحاد العام التونسي للشغل سوى محاولة من محاولات الهاء الشعب التونسي على المطالب التي نادى بها خلال الثورة خاصة بعد أن أثبتت عديد الإحصائيات تدني الواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس وتفشي ظاهرة البطالة وعودة الفساد من الباب الكبير إلى جانب بروز مظاهر غريبة عن المجتمع التونسي على غرار تهريب السلاح والإمارات الإسلامية وانتشار حركات إسلامية متشددة من شأنها أن تهدد مدنية الدولة التونسية.

 

ويعد التيار السلفي الذي اكتسح الساحة الوطنية اليوم بمحاولته إثارة الانتباه بشتى الوسائل غير القانونية وسط ذهول التونسيين وصمت مطبق من الحكومة التي تتهم بأنها حليفة لهذا التيار الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لمصير الثورة التونسية ويعتبر المحرك الواجهة للثورة المضادة.

 

كما ان صمت قوات الأمن والجيش في ظل تواصل حالة الطوارئ على تجاوزات السلفيين والتعتيم الإعلامي حول من يقف وراء هذا التيار ومن يموله وكيف يتحرك  يثير عديد التساؤلات حول مدى تورط ما كان يعرف بالبوليس السياسي أو رموز الفساد في النظام السابق في تهييج الشارع التونسي وخلق الفتن الإيديولجية التي ان لم يتم وضع حد لها فإنها قد تتحول إلى أعمال عنف لا تحمد عقباها.

 

كما ان الكم الهائل من الشائعات وحملات التشويه  ومظاهر الفوضى والبلبلة، تثير القلق والشكوك، عن حقيقة الإجراءات التي تتم لتطهير البلاد من مظاهر الفساد التي كانت متغلغلة خلال النظام السابق بل بالعكس فان تلك المظاهر التي كانت سائدة زمن المخلوع من محسوبيّة ورشوة تفاقمت أكثر في غياب المحاسبة الفعليّة. كما استمرّ نزول مستوى الخدمات الإجتماعيّة في مستويات مختلفة.

 

أضف إلى هذا استمرار التعتيم الإعلامي حول أهم القضايا الكبرى في تونس وملفات الفساد علاوة على الحملة التي حاكتها الحكومة وأنصار النهضة والسلفيين ضد الإعلام منذ أشهر في محاولة لإخضاعه مرة أخرى إلى السلطة الحاكمة ولكي تكون بوقا لتمجيد الانجازات الوهمية للحكام الجدد ولاستخدامها  للتعتيم على أهم مطالب الشعب التونسي  من خلال عدم تغطية الإعتصامات والإحتجاجات المهنية والاجتماعية.

 

أما المعارضة فهي تعمل بشعارها "أنا أعارض إذن أنا موجود" وهي مازالت إلى الآن تتخبط في زعامات واهمة أمام المصلحة العليا للوطن اذ لم تتمكن من خلق بديل قويا يكون منافسا لحركة النهضة الإسلامية مما ينذر بحدوث انتكاسة في الثورة والعود إلى نظام الحزب الواحد والمعارضة الكرتونية.  

 

كما أنها لم تقدم حلولا عملية للواقع المتأزم الذي تعيشه البلاد فهي لا تختص إلا في البيانات والمسيرات والشعارات الرنانة ولم تقد سوى خطبا نخبوية موجهة إلى فئة معينة وهي تمثل الأقلية دون أن تتعض من دروس الانتخابات الماضية.

 

ثم إن مسألة تعدد الأحزاب في تونس بعد الثورة شابتها كذلك بعض الشبهات فقد شكك السياسي المخضرم أحمد المستيرى زعيم المعارضة في تونس في مقاصد الترخيص السريع بين عشية وضحاها لأحزاب سياسية يتم بعثها وقال إن ذلك يهدف إلى تشويه تعدد الأحزاب والمس بصورة النظام الديمقراطي عند المواطنين.

 

كما ان هذا التعدد ساهم في بروز ما يعرف بالمال السياسي الذي فشلت الدولة في تعقبه وفي مراقبة مصادر تمويل الأحزاب والجمعيات في ظل تعليق العمل بالدستور القديم وعدم تفعيل القوانين مما يفتح المجال إلى استخدام المال السياسي لأغراض ليست بريئة قد تكون منها تمويل الثورة المضادة.

 

ولا يمكن أن ننسى التقاعس في محاكمة رموز النظام السابق وفي مقدمتهم زين العابدين بن علي الذي فر بلا رجعة إلى السعودية وقد قضت الحكومة على أي أمل في استرجاعه وذلك بربط علاقات اقتصادية مع السعودية علاوة على المحاكمات الصورية التي تشهدها المحاكم العسكرية في ما يعرف بقضية شهداء الثورة.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.