تونس ــ بعد 12 سنة عن وفاته، لما اندلعت الحرب الكلامية حول بورقيبة؟

مرت مؤخرا الذكرى الثانية عشرة لوفاة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة مؤسس الجمهورية الأولى، لكن هذه المناسبة تميزت على خلاف سابقاتها باندلاع ما يشبه الحرب الكلامية بين مؤيديه ومعارضيه أو بالأحرى بين محبيه وماقتيه. فما سبب هذا التضارب في الموقف منه؟ وكيف يمكن النظر إليه وإلى تاريخه بكل موضوعية وتجرد؟..



تونس ــ بعد 12 سنة عن وفاته، لما اندلعت الحرب الكلامية حول بورقيبة؟  

 

مرت مؤخرا الذكرى الثانية عشرة لوفاة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة مؤسس الجمهورية الأولى، لكن هذه المناسبة تميزت على خلاف سابقاتها باندلاع ما يشبه الحرب الكلامية بين مؤيديه ومعارضيه أو بالأحرى بين محبيه وماقتيه. فما سبب هذا التضارب في الموقف منه؟ وكيف يمكن النظر إليه وإلى تاريخه بكل موضوعية وتجرد؟
في محاولة الإجابة، يجدر بنا البدء بالتعريف ببورقيبة والوقوف عند أهم المحطات التاريخية في حياته وسياسته إيمانا منا بأن نسبة كبيرة من التونسيين نشأت بعد إقالته من الحكم.

ولد بورقيبة في المنستير سنة 1903 وتلقى دراسته الجامعية في فرنسا حيث تخرج سنة 1927 واشتغل بالمحاماة. وباشر نشاطه الحزبي سنة 1931 بانضمامه إلى الحزب الحر الدستوري لكنه استقال منه بعد 3 سنوات ليؤسس الحزب الحر الدستوري الجديد في مدينة قصر هلال وينخرط مباشرة في مقاومة الاستعمار فتم اعتقاله بعد أشهر وبدأت رحلته مع السجن والنفي (الإجباري والاختياري).

وقد تميز بورقيبة بدهائه السياسي وقوة شخصيته وحكمته وبعد نظره ودقة مواقفه فكان طيلة عقدين من الزمن المناضل السياسي الأشهر في البلاد وفرض رأيه سنة 1955 في الرضا بالاستقلال الداخلي فقط بدل المطالبة بالاستقلال التام عكس ما تمسك به رفيقه السابق صالح بن يوسف. وبمجرد الحصول على الاستقلال التام في 20 مارس 1956 تفرغ لبناء تونس الحديثة ومحاربة خصومه اليوسفيين، وواصل البطش بكل من يخالفه الرأي ويعارض سياسته فتضرر منه الشيوعيون ثم القوميون ثم الإسلاميون.

كان بورقيبة رجل دولة متفتحا يمجد الحداثة والتنوير واللائكية ويمقت الرجعية في الدين، وتميز باتخاذ المواقف الجريئة بناء على حسن قراءاته للوضع وقوته في الاستشراف، من ذلك أنه اختار خلال الحرب العالمية الثانية الوقوف إلى جانب الحلفاء في حربهم ضد المحور رغم أن المنطق يفترض العكس لأن تونس كانت تقاوم محتلا من الحلفاء (فرنسا) وقد ظهر حسن اختياره عندما انهزم المحور لاحقا.

كما إنه اختار الاستقلال الداخلي عوض التام رغم معارضة أغلب التونسيين فلم تكد تمر سنة حتى تحقق الاستقلال التام، وللتاريخ فبورقيبة اختار بعد الاستقلال التقرب من المعسكر الغربي لإيمانه بحتمية سقوط المعسكر الشرقي وهذا ما تحقق في العشرية الأخيرة من حياته عندما تفتت الاتحاد السوفياتي وانفرط عقد حلف "فرصوفيا".

وقد أثار بورقيبة ثائرة العرب عندما خطب في أريحا سنة 1963 داعيا الفلسطينيين إلى تغيير مواقفهم ومطالبهم والرضا بجزء من فلسطين بدل تحريرها كلها لكنهم قبلوا بعد أقل من ثلاثة عقود بالقليل دون أن ينعموا بتأسيس دولتهم إلى اليوم.

وبورقيبة حقق العديد من المكاسب لتونس بفضل سياسته وخاصة منها ما يتعلق بالتعليم، والقضاء على الجهويات والعروشات، وتكريم المرأة…

لهذا نال حب شريحة هامة من التونسيين فمنهم من كتم حبه بعد صعود بن علي للحكم ومنهم من ظل يصدع به.
لكن سياسة "المجاهد الأكبر" لم تكن نقية من العيوب فهو الذي لطخ تاريخ التونسيين بدماء اليوسفيين وهو الذي عادى الديمقراطية، وهو الذي اختار سياسة التعاضد دون أن يحمل نفسه مسؤولية فشلها، وهو الذي اختار الوحدة مع ليبيا سنة 1974 قبل أن يلغيها نزولا عند أوامر وسيلة بورقيبة والهادي نويرة، وهو الذي أقام الحواجز بين تونس ومحيطيها العربي والإسلامي، وهو الذي كان عبدا للزعامة المطلقة.

هذه المساوئ لم ينسها خصومه والمتضررون من سياسته وخاصة منهم الإسلاميون فلم يغفروا له ولم يقبلوا لأحبائه التكتل من جديد تحت رايته.

لكن الرأي عندنا أن سبب الخلاف حول بورقيبة لم يعد منحصرا في شخصه بل تعداه إلى الواقع السياسي الحالي فأنصار بورقيبة يسعون الآن إلى التكتل تحت مرجعية قوية علها تزيد في قوتهم وتقيم لهم وزنا على الخارطة السياسية التونسية، أما المعارضون فيعون بشدة هذا التوجه ويتفهمون إمكانية تأثيره على قوتهم فيحاولون بالتالي الدفاع عن مصالحهم بالتركيز على مساوئ بورقيبة.

للموضوعية كان بورقيبة زعيما من الإنس أي إنه أصاب في بعض المواقف وفشل في أخرى، لكنه كان ولا يزال نقطة مهمة في تاريخ تونس الحديث يتوجب دراستها بكل تجرد وموضوعية قصد استخلاص ايجابياتها لتدعيمها وتحديد سلبياتها لتلافيها بدل اللعب بها في السياسة الحالية.

آدم القروي

 

 

 

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.