هل يقلب نواب المجلس التأسيسي الطاولة على حكومة الجبالي “العتيدة”؟

تسبب سوء التقدير السياسي لحكومة “الترويكا” التي يقودها السيد حمادي الجبالي في اتخاذ قرار بتسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي للسلطات الليبية لمحاكمته، رغم توتر الوضع الأمني هناك، ودون مراجعة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، في تداعيات خطيرة على الساحة السياسية في …



هل يقلب نواب المجلس التأسيسي الطاولة على حكومة الجبالي “العتيدة”؟

 

تسبب سوء التقدير السياسي لحكومة "الترويكا" التي يقودها السيد حمادي الجبالي في اتخاذ قرار بتسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي للسلطات الليبية لمحاكمته، رغم توتر الوضع الأمني هناك، ودون مراجعة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، في تداعيات خطيرة على الساحة السياسية في تونس، وعادت أضرارها على الحكومة المؤقتة نفسها، التي وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه.

 

فبالأمس قرّر أكثر من 73 نائبا داخل التأسيسي، ما عدا نواب حركة النهضة، الموالين لحكومة الجبالي أمين عام الحركة طبعا، بعد اجتماع مغلق عقدوه على إثر مقاطعتهم لجلسة عادية كانت مبرمجة للنظر في المصادقة على بعض الاتفاقات المبرمة مع بعض البنوك الدولية، التوجه بطلب لرئاسة المجلس من أجل تقديم لائحة لوم وسحب الثقة من الحكومة المؤقتة، في أول ردّ فعل سياسي عنيف على قرار الجبالي بتسيلم البغدادي لليبيا، رغم ما أثاره من تنازع على الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، من دون الاحتكام إلى المجلس التأسيسي، السلطة الشرعية الأصلية في البلاد، التي تم انتخابها مباشرة من الشعب.

 

وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية رابح الخرايفي الذي تلا بيان هؤلاء النواب إنّ النصاب القانون قد اكتمل لتوجيه هذا المطلب استنادا إلى الفصل 19 من القانون المنظم للسلطات العمومية والفصل 118 من النظام الداخلي للمجلس التأسيسي. علما أن 73 نائبا هو الرقم المطلوب لتوفر النصاب القانوني الذي يشترط توفر ثلث النواب، البالغ عددهم إجمالا 217 نائبا، لتوجيه لائحة اللوم وسحب الثقة من الحكومة، الذي يحتاج فيما بعد إلى أغلبية مطلقة من النواب (أي 109 نائبا).

 

وبسؤاله عن المدّة الزمنية التي سيقع فيها النظر فيها الطلب، المفاجئ، والذي يأتي بعد مضي ستة أشهر على تسلّم الحكومة الحالية لمقاليد الحكم في البلاد، قال إنه من المفروض أن تنظر رئاسة المجلس في الطلب مدة أسبوع ثم يقع تحديد جلسة استثنائية في غضون أسبوعين، بمعنى أنّ عملية سحب الثقة من الحكومة ستتم في أقصى الحالات في غضون ثلاثة أسابيع من الآن.

 

وتعتبر هذه الخطوة بمثابة ضربة قاسمة وصفعة قوية لحكومة "الترويكا" التي تقودها حركة النهضة والتي تهمين فيها على وزارات السيادة، والتي تسببت في نشوب أزمة سياسية مع حليفيها في الحكم مع "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي كان يتزعمه المرزوقي قبل أن يستقيل منه بعد انتخابه رئيسا للجمهورية من داخل المجلس التأسيسي، وأيضا حزب "التكتل"، الذي رغم مساندة قرار الحكومة حول تسليم البغدادي من قبل زعيمه مصطفى بن جعفر، الذي يقول محللون إنه يراهن على رئاسة الجمهورية في الاستحقاقات المقبلة، إلا أنّ عديد نوابه داخل التأسيسي رافضون لقرار الحكومة ومستاؤون من موقف حزبهم وبعضهم يفكر جديا في الاستقالة منه، على خطى عديد الأعضاء الذين انشقوا عنه سابقا بسبب مواقفه الموالية للحكومة.

 

وشهدت عشية أمس جلسة التأسيسي حالة من الهيجان والاحتقان بسبب عدم استجابة رئيس المجلس إدارج قضية البغدادي وما أثارته من خلاف حاد داخل السلطة التنفيذية (الرئاسيتين) في جدول الأعمال. وأجبر رئيس المجلس التأسيسي إلى تأجيل الجلسة إلى يوم الجمعة التي ستخصص لمساءلة الحكومة حول قضية البغدادي وأسباب عدم مراجعتها لرئاسة الدولة، رمز السيادة، والتي اعتبرها البعض إنها أهينت بسبب عدم إبلاغها بقرار التسليم، رغم رفض المرزوقي لهذا القرار في ظل عدم استقرار الوضع في ليبيا وعدم انتخاب حكومة شرعية ووجود ضمانات كافية لتوفير محاكمة عادلة، لاسيما وان تونس موقعة على صكوك دولية تقضي بعدم تسليم اللاجئين السياسيين حتى لو كانوا مجرمين إلى بلدانهم، في صورة إمكانية تعرضه لخطر التعذيب أو هضم حقوقهم كمتهمين.

 

وهناك رأيان قانونيان حول أحقية تسليم البغدادي إلى ليبيا. رأي يرى أنّ التسليم يعود إلى أمر حكومي ويحتاج فقط إلى توقيع رئيس الحكومة. ورأي يرى أنّ لرئيس الجمهورية سلطة قرار التسليم من عدمه. وغذّيا هذان الرأيان حدّة الانقسام بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.

 

لكن مهما يكن من أمر وبقطع النظر عن أحقية الجهة المخولة باتخاذ قرار التسليم، يرى محللون أنّ الحكومة المؤقتة أخطأت المرمى في اتخاذ قرار مماثل في ظرف استثنائي تمرّ به ليبيا، التي لا تملك إلى الآن حكومة منتخبة وتعيش وضعا أمنيا متدهورا حتى أن القنصلية التونسية بليبيا تعرضت مرتين إلى الهجوم آخرها أمس، ويربط مراقبون الهجوم بتسليم البغدادي.

 

كما تظهر صور تمّ نشرها على الإنترنت فضائع التعذيب التي يتعرض لها مسؤولون أمنيون كانوا من أتباع النظام السابق في ليبيا على يدّ بعض الثوار، الذين يمارسون أشد أنواع التنكيل بأتباع القذافي، وهو أمر قد يكون له انعكاسات خطيرة على السلامة الجسدية وحياة البغدادي المحمودي، ولكن أيضا على سمعة تونس، التي وقعت من قبل في عهد بن علي على معاهدة الأمم المتحدة لعدم تسليم لاجئين سياسيين إلى بلدانهم في حال يمكن أن يتعرضوا فيها إلى التعذيب.

 

قرار الجبالي كان متسرعا وتسبب في تشويه سمعة تونس في الخارج وفي انقسام الائتلاف الحكومي في الداخل ويمكن أن يضع حدا لهذه الحكومة "العتيدة"، على رأي وزير خارجيتها.

 

خميس بن بريك

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.