الكفاءة أو الدرجة الصفر من الشرعية

في حوار على القناة الوطنية، قال أحد المتحدثين إن وضع الاقتصاد في تونس سيىء ولكنه كان يمكن أن يكون أسوأ لولا تضافر عوامل عدّد منها ثلاثة أو أربعة. فقاطعه المتحدث باسم حركة النهضة قائلا: ولا تنس أيضا كفاءة الحكومة! فماذا كان رد فعل الحاضرين من ممثلي الأحزاب السياسية واتحاد النقابات ومن الجمهور في الاستوديو؟ انفجر الجميع ضحكا… كان الضحك عفويا وإجماعيا بحيث أن ممثل النهضة نفسه لم يقو على الاعتراض…



الكفاءة أو الدرجة الصفر من الشرعية

 

في حوار على القناة الوطنية، قال أحد المتحدثين إن وضع الاقتصاد في تونس سيىء ولكنه كان يمكن أن يكون أسوأ لولا تضافر عوامل عدّد منها ثلاثة أو أربعة. فقاطعه المتحدث باسم حركة النهضة قائلا: ولا تنس أيضا كفاءة الحكومة! فماذا كان رد فعل الحاضرين من ممثلي الأحزاب السياسية واتحاد النقابات ومن الجمهور في الاستوديو؟ انفجر الجميع ضحكا… كان الضحك عفويا وإجماعيا بحيث أن ممثل النهضة نفسه لم يقو على الاعتراض.

 

وقبل ذلك بثت قناة فرنسا 24 بالإنكليزية نقاشا حول حقوق المرأة في تونس تحدثت فيه حقوقية مصرية وناشط سياسي مناصر للنهضة. كان الطرفان متعارضين في كل شىء. الحقوقية ترى أن هذه الحكومة خطر على الحريات عموما وحقوق المرأة خصوصا. والناشط يقول إن الحكومة جادة وملتزمة بأهداف الثورة. إلا أنه فاجأ الحقوقية المصرية عندما خاطبها قائلا: ‘شىء وحيد أقرّ به: لقد أبانت هذه الحكومة عن قدر بالغ من انعدام الكفاءة!’، فقالت السيدة: إذن نحن متفقان!

 

انعدام الكفاءة المجمع عليه (إذ من الصعب أن تجد مواطنا عاديا، أي غير متحزب، يمكن أن ينعت هذه الحكومة بالكفاءة والاقتدار) لا يتأتى من قلة الخبرة فقط. إذ لم يكن لفرانسوا هولاند، مثلا، سابق خبرة بإدارة شؤون الحكم قبل تولي الرئاسة في فرنسا. ولم يسبق لديفيد كامرون أن حكم، أو أدار وزارة، قبل أن يتولى رئاسة الحكومة في بريطانيا. بل إن السيد الباجي قائد السبسي يروي في كتابه الصادر عام 2009 أنه لما أعلمه الزعيم بورقيبة، بعيد استقلال تونس عام 1956، أنه عينه مديرا للإدارة الجهوية في وزارة الداخلية، شعر بالحرج وأجاب: ولكن ليس لدي أي خبرة! فرد عليه بورقيبة: كلنا نفتقر إلى الخبرة! فيم إخراجنا الفرنسيين إذن إن لم نكن عازمين على إدارة شؤون بلدنا بأنفسنا؟

 

ليست مسألة انعدام الكفاءة لدى الحكومة الحالية (مع أن بعض أعضائها مقنعون في الأداء والخطاب) ناجمة عن الافتقار للخبرة بقدر ما هي نابعة من دوغمائية الموقف. حيث أصبح من المعتاد أن تتخذ الحكومة قرارات سياسية خاطئة وتعلن تعيينات إدارية غريبة (تشمل ‘إعادة تدوير’ -أو ما يسمى في تونس ‘رسكلة’- مسؤولين وزبانية في نظام بن علي) ثم لا تكلف نفسها حالما تتعرض للانتقاد إلا أن تجيب، على سبيل التذكير النافع، بأن لديها ‘الشرعية الانتخابية’. أما ما يعنيه شعار الشرعية الانتخابية، حسبما يفهم من التصريحات الرسمية، فهو أن للحكومة مطلق الحق في اتخاذ القرارات وفرض التعيينات كما تشاء. على أن هذا الشعار كثيرا ما يقترن بشعار ثان لا تني الحكومة تردده بمختلف الصيغ: وهو أنها ‘مستعدة للحوار’. والمقصود بالحوار، حسب شروح من جربوا تطبيقاته من ساسة المعارضة، هو أن للحكومة الحق في أن تفعل ما تريد وأن للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بعد ذلك، الحق في أن تقول ما تريد!

 

وعلى هذا فالشرعية الانتخابية، في الفهم الحكومي، هي الدوغمائية بعد أن فازت براحة الضمير! وما هي الدوغمائية إن لم تكن عنادا؟ هكذا عاندت الحكومة وبددت شهورا في العناد، ثم لم تجد بدا من الإقرار بأن السيد كمال الجندوبي (الذي نجح، على رأس اللجنة المستقلة للانتخابات، في الإشراف على أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ تونس) هو المرشح البديهي للإشراف على الانتخابات المقبلة. وعاندت الحكومة، بل أبلت في العناد أعجب البلاء، ثم لم تجد بدا من الإقرار بأنه ليس هناك أدنى منطق سياسي أو أخلاقي في مماطلتها في تنفيذ المرسومين 115 و116 المنظمين لقطاعي الصحافة والبث الإذاعي والتلفزيوني والضامنين لاستقلاليتهما عن جميع السلطات (علما أن الحكومة السابقة، ‘غير الشرعية’، وقعت على هذين المرسومين ولم تكن خائفة من تطبيقهما!). كما أن الأكيد أن العناد لن يدوم في قضية تشبث الحكومة المريب برجل الشرطة الذي فرضته مديرا عاما على دار الصباح (علما أن الحكومة السابقة لم تجد أي صعوبة في أن تعين قبله، على رأس هذه المؤسسة الصحافية العريقة، أحد أفضل رجالات الإعلام والكفاح من أجل الحريات)!!!

 

في مثل هذا المناخ، الذي أفرزته ‘الشرعية الانتخابية’، بادرت المعارضة إلى اقتراح شرعيات بديلة: الشرعية التوافقية، والشرعية الوظيفية.. رجوعا إلى أبجديات العلوم السياسية. غير أنه لا حاجة للذهاب إلى المدرسة لإدراك أن العبرة في السياسة (ناهيك عن الديمقراطية) بالنتائج: أي أن من لا كفاءة له لا شرعية له.

 

مالك التريكي (القدس العربي)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.