تونس: هل بدأت وزارة الداخلية تجني ثمار تراخيها في معالجة العنف والفوضى؟

ما حصل في اليومين الأخيرين وخاصة ليلة البارحة بمنطقة دوار هيشر من ولاية منوبة يؤكد مرة أخرى أن وزارة الداخلية بدأت تجني نتائج تهاونها وتراخيها في معالجة ملف انزلاق تونس نحو الفوضى والعنف رغم تنبيهها منذ أشهر من أكثر من طرف…



تونس: هل بدأت وزارة الداخلية تجني ثمار تراخيها في معالجة العنف والفوضى؟

 

ما حصل في اليومين الأخيرين وخاصة ليلة البارحة بمنطقة دوار هيشر من ولاية منوبة يؤكد مرة أخرى أن وزارة الداخلية بدأت تجني نتائج تهاونها وتراخيها في معالجة ملف انزلاق تونس نحو الفوضى والعنف رغم تنبيهها منذ أشهر من أكثر من طرف.

 

فمنذ مطلع العام الجاري وتحديدا منذ تولي علي العريض مقاليد الوزارة، بدا واضحا أن الوزارة غير جادة في التعامل مع الملفات الحاسمة والخطيرة التي دونها لا يمكن الحديث عن الاستقرار والأمن في بلد ما.

 

ومن أول هذه الملفات معالجة ظاهرة التطرف والتشدّد والمغالاة باسم الدين والذي حولته بعض الأطراف التي تنسب نفسها إلى التيار السلفي إلى مطية تركبها لتحلّ محل الدولة في محاسبة هذا ومعاقبة ذاك وللاعتداء على من يخالفها الرأي ولاستضعاف الدولة والتطاول على هيبتها وتهديد مدنيتها إلى درجة الاعتداء على رجل الأمن وعلى رموز الدولة وعلى رموز النشاط السياسي في البلاد.

 

وكانت نتائج انتشار التطرف بلا رقيب ولا حسيب تبرز من يوم إلى آخر طيلة الأشهر المنقضية، فكثرت الاعتداءات على المواطن وعلى المسؤول وعلى الناشط السياسي وعلى رجل الأمن وعلى الملك العام والخاص و استبيحت مؤسسات الدولة المدنية من قبل الملتحين المحسوبين على التيار السلفي وهو وضع لم يألفه التونسيون طيلة العقود الماضية.

 

والغريب في الأمر انه بالرغم من تبرؤ القيادات السلفية من هذا التيار المتشدد والعنيف، ورغم الحيرة العامة والاستغراب من الهوية الحقيقية ومن الانتماء الرسمي لهؤلاء الملتحين، إلا أن وزارة الداخلية لم تحرك ساكنا لتكشفهم رغم ما لديها من إمكانيات استخباراتية تمكن من التعرف أحيانا على ما يدور داخل العقول والنفوس.

 

ويذكر الجميع أن بداية هذه الفوضى انطلقت  بما حدث في  منطقة سجنان ثمّ شملت العديد المناطق الأخرى ليبلغ الأمر حدّ الاعتداء على مقر السفارة الأمريكية، وهي النقطة التي أفاضت الكأس داخليا ودوليا. لكن رغم ذلك لم تتعظ وزارة الداخلية من تراخيها في معالجة ملف التطرف والتشدد الديني والأمثلة في هذا المجال عديدة ولا تحصى ولا تعد  آخرها ما حصل بمنطقة دوار هيشر، حيث هاجمت مساء الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 مجموعة من المتشددين دينيا مركز الحرس الوطني ومركز الحرس الوطني بحي خالد بن الوليد بمنوبة، وذلك مباشرة بعد الإعلان عن القبض على المشتبه به في الاعتداء على رائد الحرس الوطني وسام بن سليمان، حسبما ذكرته وزارة الداخلية نفسها.

 

وفي كل مرة تغض الدولة ومن ورائها وزارة الداخلية الطرف عما يجري وفي كل مرة يطالعنا مسؤولو الدولة ومسؤولو الأحزاب السياسية الحاكمة بتصريحات هي أقرب إلى الشعوذة من العمل السياسي الحكيم، أبرزها اعتبار المعتدين بمثابة "أبنائنا" وضرورة التساهل معهم قصد ترويضهم وأنهم تونسيون ومن حقهم التعبير والنشاط في إطار الحرية .إلى غير ذلك من التبريرات.

 

أما الملف الثاني لهذه الفوضى فهو تعمد أطراف أخرى الحلول محلّ الدولة في تطبيق القانون وفي حماية الناس والممتلكات العامة والخاصة. فكان أن خلقت جوا من الاحتقان الشعبي ومن الانقسام بين أبناء الشعب الواحد وأدخلت حالة من الذعر في صفوف المواطنين.

 

وقد بلغ التساهل والتراخي بالحكومة في معالجة هذا الملف من بدايته حد منح هؤلاء الأشخاص ترخيصا للعمل القانوني تحت غطاء جمعية رابطة حماية الثورة، فأصبحوا من أكبر المهددين لهيبة الدولة وللاستقرار في البلاد وما حادثة مقتل لطفي نقض بتطاوين إلا دليل واضح على ذلك.

 

ومن الملفات الهامة الأخرى التي لم تعالجها وزارة الداخلية بالوجه الكافي ملف إصلاح المنظومة الأمنية. فمنذ الثورة وأطراف عديدة تنادي بهذا الإصلاح منها النقابات الأمنية ذاتها وعديد مكونات المجتمع المدني الدولية والوطنية.

 

ومرد هذه الرغبة في الإصلاح هو تمكين عون الأمن من الضمانات اللازمة لممارسة عمله في إطار حصانة تحميه من التتبعات إن هو طبق القانون بحذافيره شريطة أن يمارس عمله في حدود احترام مبادئ حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية للمواطن.

 

وقد طالبت عديد الأطراف في هذا الإطار بتنقيح القانون عدد 4 لسنة 1969 الذي ينظم تدخل الأمن في المظاهرات والاستعراضات والمواكب بالطريق العام.

 

كما عبرت عديد الدول عن استعدادها للمساهمة ماديا في إصلاح المنظومة الأمنية التونسية، واستمعنا طيلة الفترة الماضية إلى مسؤولين من الداخلية ونواب من المجلس التأسيسي يرددون أن مشاريع النصوص القانونية الرامية للإصلاح هي الآن تحت الدرس لكن لم يحصل شيء من هذا وطال الانتظار وكأن الأمر يتعلق بإصدار دستور ثان للبلاد.

 

وما يمكنه قوله عموما اليوم هو أن وزارة الداخلية ومن ورائها الحكومة تبدوان في موقف حرج للغاية بسبب التراخي والتساهل في معالجة ملف الوضع الأمني بالبلاد. لكن أمام تسارع وتيرة الأحداث فانه لم يبق من خيار أمامهما غير الإسراع بالتدخل العاجل لبلورة كل الإصلاحات الممكنة وربح الوقت حتى لا تتدهور الأمور نحو الأسوأ.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.