تونس: حمادي الجبالي بين زعامة الأغلبية وتبعية الحزب

تركز اهتمام وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة على رئيس الحكومة الانتقالية حمادي الجبالي في آدائه الحكومي والحزبي خاصّة مع تزايد الانتقادات للمجلس التأسيسي وتنامي الشعور باختلاط الأوراق والتراخي المميز لآداء الترويكا الحاكمة… فكيف يستطيع حمادي الجب…



تونس: حمادي الجبالي بين زعامة الأغلبية وتبعية الحزب

 

تركز اهتمام وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة على رئيس الحكومة الانتقالية حمادي الجبالي في آدائه الحكومي والحزبي خاصّة مع تزايد الانتقادات للمجلس التأسيسي وتنامي الشعور باختلاط الأوراق والتراخي المميز لآداء الترويكا الحاكمة… فكيف يستطيع حمادي الجبالي معالجة أوضاع تتطلب الكثير من الحزم وهو موزع بين رئاسة الحكومة وقيادة حزب حركة النهضة؟

 

كانت الانتقادات الواضحة لآداء المجلس التأسيسي التي أتت على لسان رئيس الحكومة وتذمره من التأخير المسجل في كتابة الدستور والإعداد للانتخابات يمكن أن تمرّ عبر المجلس وقد تجد الكثير من التأييد من قبل بعض النواب. ولكن تصريح الجبالي لوكالة رويترز لم يقف عند هذا الحدّ بل أعلن عزمه الضغط على المجلس من أجل التسريع في إنجاز المهام التأسيسية الكبرى وأولها الإنتخابات. وبالطبع لم تعجب انتقادات الجبالي المجلس وانبرت بعض الكتل لتردّ عليه ومن بينها أعضاء في كتلة التهضة نقسها.

 

ويرجع الملاحظون انتقاد الجبالي للمجلس إلى الاختلاف في التقييم بين الحكومة ذات الأغلبية النهضوية وبين حركة النهضة وقيادتها وقواعدها. ويعود البعض بهذا الاختلاف إلى أبعد من هذه الحادثة ليذكروا بالموقف من حركة نداء تونس وبالموقف من مبادرة إتحاد الشغل في منتصف أكتوبر وفي كلتا الحالتين اتخذ  الجبالي مواقف مختلفة من حركته إن راغبا أو مضطرا حسب الوضع، ولكن الاختلاف ظهر للعموم بوضوح.

 

وقد فسر حمادي الجبالي موقفه الأخير من التأسيسي بناء على معطيات اقتصادية وسياسية تعيش الحكومة على وقعها وتتبين كل يوم ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية بأسرع وقت لفتح المجال أمام حكومة منتخبة من شأنها استعادة الثقة في السوق والانكباب على المشاغل الملحة للمواطن من غلاء الأسعار ومن بطالة واضطرابات اجتماعية.

 

ولا يخفى على أحد أن تأخّر إنجاز التحوير الوزاري الذي ينتظر، منذ مغادرة حسين الديماسي ومحمد عبو الوزارة، مرده بالأساس تعقد التوازنات السياسية داخل النهضة وبين النهضة وبين شركائها في الترويكا الحاكمة، وهذا ما يزيد في تعقيد عمل الجبالي وحكومته وهي على مدى أيام قصيرة قبل التقدّم بمشروع ميزانية 2013 للمجلس التأسيسي.

 

ولا يستبعد جزء آخر من المتابعين لعمل الحكومة أن الاختلاف في الرأي بين "القصبة" و"مونبليزير" (حيث مقر النهضة)، يعود أصله إلى الاختلاف غير المخبئ في التقييم بين شقي قيادة النهضة في الداخل وفي الخارج مما يطرح في الواقع مسألة موقع وتأثير راشد الغنوشي في سياسة البلاد موضع المركز في كل تحليل متعمق… وليست آخر المآزق التي عاشتها الحكومة والمتعلقة بأزمة دار "الصباح" إلا مثالا على هذا التداخل بعد أن اتضح أن تسمية لطفي التواتي على رأس دار "الصباح" جاءت بفكرة من لطفي زيتون مستشار رئيس الحكومة المعروف بأنه محسوب على راشد الغنوشي.

 

وسواء تعلّق الأمر بملف السلفية وما يحدثه من أزمة في الحكومة وفي البلاد أو في ملف رابطات حماية الثورة وانفلاتها الخطير في عدة مناسبات أو في ملف العلاقة بالإمارة الغازية القطرية التي لا تنفك تواصل اقتحامها للساحة التونسية اقتصاديا وسياسيا، فإن حمادي الجبالي يجد نفسه عديد المرات أمام تعقيدات لا يحسد عليها وهو يراوح التقدم في اتجاه النهضة حينا ويصدها حينا آخرا ويموه علينا وعليها في مواقع أخرى. ولكنه في كل الأحوال يبقى في الموقع غير المريح.

 

وبينما وجد الرئيس منصف المرزوقي أن اصطفافه القديم على مواقف حركة راشد الغنوشي قد أضرّ بشعبيته وأقدم بالتالي على العمل منذ مدّة على توضيح اختلافاته وأخذ زمام المبادرة السياسية في عدة ملفات للتموقع بوضوح ضد حركة النهضةوبينما مازال مصطفى بن جعفر يحاول أن يستثمر رضا النهضة عليه في المحافظة على نصيب حزبه في التحالفات القادمة، ها أن حمادي الجبالي في موقع لا يحسد عليه لأنه على خلاف المرزوقي وبن جعفر لا يستطيع إلا أن يحاول المحافظة على التوازن المستحيل بين متطلبات رجل الدولة وبين أمين عام الحزب الحاكم…

 

علي العيدي بن منصور

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.