تونس: دروس سليانة ودروس مرسي

مع اختلاف الشأن بين تونس ومصر إلا أن أهم تجربتين انتقاليتين في الربيع العربي تتقاربان في معطيات عدة يمكن الوقوف عندها من إدراك المعوقات الكبيرة التي تعترض المسارين وتعترض الحركتان الإسلاميتان في البلدين في إمتحان تحولهما من معارضة الدكتاتوريات السابقة إلى معركة الحكم…



تونس: دروس سليانة ودروس مرسي

 

 

 

مع اختلاف الشأن بين تونس ومصر إلا أن أهم تجربتين انتقاليتين في الربيع العربي تتقاربان في معطيات عدة يمكن الوقوف عندها من إدراك المعوقات الكبيرة التي تعترض المسارين وتعترض الحركتان الإسلاميتان في البلدين في إمتحان تحولهما من معارضة الدكتاتوريات السابقة إلى معركة الحكم…

 

وتأتي المواجهات الأخيرة في مدينة سليانة وتذبذب الرد الحكومي عليها والإستعمال المفرط للقوة البوليسية كشاهد على المأزق الذي تعيشه حركة النهضة الإسلامية في تأديتها لدورها كحزب أغلبي ورئيسي في التحالف الحاكم في تونس.

 

وقد سبقت ورطة سليانة مواقف أخرى لا تقل حرجا للإسلاميين ومنها خاصة التعامل مع التيار السلفي العنيف قبل وبعد الهجوم على سفارة الولايات المتحدة في تونس والتصرف في عديد الملفات ذات العلاقة بالحريات العامة وخاصة منها حرية الإعلام إضافة إلى فشلها في إعادة الاستقرار لمناخ الأعمال والاقتصاد التونسي بالرغم عن الميزانية التكميلية التي سنتها في أفريل الماضي.

 

ويرجع المراقبون لخبطة أوراق حركة النهضة في الفهم المغلوط لدورها في هذه المرحلة من حياة تونس السياسية كما يشترك كل من حزب المؤتمر وحزب التكتل في المسؤولية نفسها لتحالفهما مع حركة النهضة في الترويكا الحاكمة.

 

ويرى المعارضون للترويكا أن أصل المشكل يتمثل في اعتقاد الأغلبية المسيطرة على المجلس التأسيسي إمكانية حكم البلاد وكأنها في ظرف عادي بينما يستوجب الظرف حسب نفس المصادر البحث باستمرار عن أوجه الوفاق القصوى في كل القرارات نظرا لهشاشة المواقف سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

ومما ينجر عن هذا الفهم الخاطئ للمرحلة عمل الحكام الجدد على التغلغل في دواليب الدولة وتحويل الأولوية من تنظيم للمرحلة الانتقالية إلى إعداد مستميت للانتخابات القادمة وتأمين الفوز فيها بشتى الأشكال.

 

وهذا ما فعله أيضا الرئيس المصري محمد مرسي في الإعلان الدستوري الجديد الذي أشعل فتيل الإحتجاجات في الشارع المصري وأعاد الناس إلى ميدان التحرير من جديد للتعبير عن قلقهم من استعمال الإخوان المسلمين لأغلبيتهم في الرئاسة وفي البرلمان وفي الجمعية التأسيسية لفرض قراءتهم للدستور المصري الجديد ولتقاسم السلطة في الدولة…

 

وقد اضطر الرئيس المصري أمام تصاعد الاحتجاج إلى التراجع عن جل نواياه، مؤكدا أن الإعلان الدستوري ليس سوى وقتيا. وفي الأثناء تتخبط الحكومة التونسية في أزمة ولاية سليانة بحثا عن مخرج من الأزمة لا تبدو ملامحه بعد بوضوح ولكن الحصيلة السياسية ثقيلة بكل المقاييس خاصة وهي تأتي بعد تداعيات الأزمة مع السلفيين وموت إثنين من المضربين منهم على الطعام في السجن.

 

وفي كلتا الحالتين يتبين أن معطيات وخصوصيات المرحلة قد غابت عن أذهان الحكام أو غيبت تغليبا لأهداف سياسيوية آنية.

 

ففي حين يتوقع من المرحلة الانتقالية أن تمهد الشروط لإرساء نظام سياسي جديد يتطلب ذلك أن تجتمع الآراء جميعا عليه  مما يعني طلب مشاركة جميع القوى الوطنية في الاختيارات الكبرى.

 

ولئن اضطرت الحركات الإسلامية في مصر وتونس للأخذ بعين الاعتبار بوجود من يعارضها فإنها لما تسلمت مقاليد الإدارة الفعلية للشأن العام نسيت أو تناست ضرورة البحث عن التوافق وحاولت فرض رؤاها في عديد الملفات دون اخذ التباين حولها مأخذ الجد.

 

ونتج عن هذا في تونس التعطل المستمر لكتابة الدستور الجديد ونتج عن هذا في مصر مقاطعة شبه تامة للقوى الليبرالية  للجمعية الدستورية مما يعطي أسوا صورة عن التمسك بالديمقراطية لدى الإخوان والسلفيين المصريين بأغلبيتهم في مجلس الشعب.

 

ولكن الشعب التونسي والشعب المصري من خلال الهبة التي شاهدناها في مصر ضد الإعلان الدستوري ومن خلال الرد الشعبي الواسع ضد منطق الحكم في تونس في مدينة سليانة هذه الأيام يجعلاننا نجزم أن إحدى أهم أهداف ثورات الربيع العربي قد تحققت, لن يمكن في المستقبل فرض أية توجهات على الجماهير ما دامت هذه الجماهير متمسكة

بحريتها ومدافعة عن حقها الأسمى في القرار الذي تراه يصب في خانة مصالحها…

 

علي العيدي بن منصور

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.