النائب في المجلس التأسيسي

اغتبط التونسيون بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي الذي عُهد إلى أعضائه سنّ دستور جديد للبلاد يضع الأركان القانونية لدولة تُعبّر عن العهد الديمقراطي الذي انفتح أمامهم بعد ثورة 14 جانفي. ..



النائب في المجلس التأسيسي

 

اغتبط التونسيون بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي الذي عُهد إلى أعضائه سنّ دستور جديد للبلاد يضع الأركان القانونية لدولة تُعبّر عن العهد الديمقراطي الذي انفتح أمامهم بعد ثورة 14 جانفي.

تشوّق التونسيين إلى مجلس تشريعي يكون انعكاساً لارادتهم، وينوبهم في وضع أهم التشريعات التي ستسيّر شؤونهم في السنوات القادمة، اصطدم بواقع سياسي مفاجئ لم يتوقعوا أن يحدث أبداً في بلد ليست لديه تقاليد عريقة في النشاط النيابي في مناخ الحرية.

فبعد الاعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي، اكتشف جمهور المتابعين لأعماله وأشغاله صفات متميزة لنواب يمثلونهم للقيام بمهمة تسيير شؤون الدولة، وصياغة قوانينها.

فالنائب في المجلس التأسيسي لا يترك الفرصة تمرّ دون أن يبلّغ عن مشاكل جهته، ويوصل صوت أهاليها، وينطق بأوجاعهم وهمومهم. وخارج أوقات اجتماعات اللجان والجلسات العامة، يقضّي النائب جلّ وقته في الاجتماع مع الناخبين الذين منحوه ثقتهم، ويناقش معهم مشاغلهم واهتماماتهم، ويسعى بحكم منصبه إلى التوسط مع سلطات القرار الاداري من أجل معالجة جميع الملفات العالقة التي تُعرض أمامه.

كما يجتهد النائب في المجلس للحضور في جميع اجتماعات اللجان التي يُشارك في أعمالها. فهو لا يتغيّب أبدا عنها، ويساهم فيها دائما بالمقترحات الجادة والعميقة والدقيقة. ويجتمع حوله عدد كبير من الخبراء والمختصين في المسائل الدستورية الذين يقدّمون لهم النصائح والافكار التي تمكنه من التدخل بنجاعة عند تقديم المقترحات.

وهو أيضا الذي لا يولي اهتماما كبيراً الى عدسات الكاميرا، ويتأفف من المشاركة في البلاتوهات الحوارية على القنوات التلفزية أو الاذاعية. فالزمن القصير الذي أتيح له من أجل كتابة دستور البلاد لا يمكن هدره في تقضية الوقت في المشاركة في جدالات سياسية وايديولوجية قد تحيد به عن القيام بوظيفته.

كما أن لا شك أن النائب في المجلس التأسيسي يتصدى لجميع الوصايات التي قد تُفرض على قراراته. فالمشاركة في عمليات التصويت على الفصول والبنود القانونية لا تخضع إلا إلى ما تصل إليه قناعاته من استنتاجات. فلا الكتلة التي ينتمي إليها أوالحزب الذي ينضوي في صلبه قادر على اجباره على اتخاذ مواقف قد لا تتطابق مع مبادئه أو مُثله. وهو يأبى عن نفسه تغيير انتمائه الحزبي مادام ناخيبه قد عرفوه بعضويته في الحزب الذي عبره تمكن من الولوج إلى قبة البرلمان.

ولا تحدو النائب أية طموحات انتخابية في المستقبل. فلا يعنيه إن أعيد انتخابه من جديد في المرة القادمة. فترك هذه الفكرة يسمح له بنزع كل خطاب شعبوي أو نزعة انتهازية قد يلجأ إليها، إذا وضع أمام عينيه هاجس البحث عن رصيد انتخابي جديد يتيح له العودة إلى قبة البرلمان من جديد.

والنائب في المجلس التأسيسي يحترم زميله حتى لو كان خصمه المباشر. فلا تحسّ ان هناك فرقاً بارزاً بين النائب الذي يدافع عن خيارات الحكومة، وذلك الذي يصطف مع المعارضة. فمصلحة البلاد هي التي تجمع كليهما إلى حد أنها تنسيهما الخلافات التي قد تكون قائمة بينهما.

النائب بالمجلس التأسيسي ليس "كراكوزاً"، ويتفادى التهريج. فله من الوقار والهيبة ما لا يسمحان بأن يتندر من تصرفاته الاعلاميون ونشطاء الأنترنات. وهو متزهد عن مال الدنيا، فلو لا المصاريف القليلة التي لا تتخطى بضعة ملايين في الشهر الواحد، لما رضي ان يقبل الحصول على راتب أصلا، ومنح بقية الامتيازات والمنح التي تودع في حسابه البنكي إلى العائلات المفقّرة من أبناء جهته الذين انتخبوه.

إنه النائب المثالي الذي انبثق من رحم ثورة من المفروض أن تكون قطعت نهائياً مع كامل المنظومة السياسية السابقة، بما فيها تلك دور النائب بالبرلمان، والعلاقة التي تربطه مع جمهور ناخبيه. إنه النائب في المجلس التأسيسي الذي تاق منتفضون ضد حكم متغطرس أن يتحقق في بلدهم، ولكن شتّان بين أحلام شعب سُلبت منه أحلامه الثورية وبين ما يحدث حالياً داخل قبة المجلس التأسيسي.

 

بقلم سفيان الشورابي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.