حاربوهم بأسلحتهم.. المال والمال ثم المال!

“الماتراك” والعصا و”اللاكريموجان” والاعتقال والسجون والتعذيب وكل أنواع المواجهة مع السلفيين في تونس لم ولن تجدي نفعا بل ستزيد نار هذه الحرب لهيبا يستعر يوما بعد آخر ليحرق وينسف شئنا أم أبينا نحن “البسطاء” من أبناء هذا الشعب الكريم ما تبقى من آمال وطموحات في مستقبل يزداد ضبابية…



حاربوهم بأسلحتهم.. المال والمال ثم المال!

 

"الماتراك" والعصا و"اللاكريموجان" والاعتقال والسجون والتعذيب وكل أنواع المواجهة مع السلفيين في تونس لم ولن تجدي نفعا بل ستزيد نار هذه الحرب لهيبا يستعر يوما بعد آخر ليحرق وينسف شئنا أم أبينا نحن "البسطاء" من أبناء هذا الشعب الكريم ما تبقى من آمال وطموحات في مستقبل يزداد ضبابية.

 

الحل قد يكون من البساطة بمكان وقد يكمن ربما في إجابة واضحة عن سؤال جوهري: أين تكمن قوة السلفيين ومن أين يستمدون هذه اللحمة ومالسبيل لتفكيك شيفرتها؟ الجواب أبسط: قوة مبنية على تآزر وتآلف وخاصة قسمة عادلة لعائدات منظومة اقتصادية محكمة.

 

لاحظوا معي جيدا أنهم يتخذون من المنهج اليهودي مثالا يحتذى, فالتجارة اختصاصهم الأوحد تقريبا والربح السريع للمال ديدنهم، طبعا تحت غطاء ديني واضح "كله بما يرضي الله".

 

على أرصفة الجوامع خاصة، في الشوارع الرئيسية والفرعية، في الأحياء الفقيرة وحتى الميسورة، يروجون بضائعهم بصمت تحت شعار "أحل الله البيع وحرم الربا", لكن يبقى الهدف واحدا أحدا: الربح والمال دائما.

 

يفتخر السلفيون أن أنصارهم من الشباب ومن فئة عمرية في قمة العطاء، أتساءل مجددا؟ لماذا الشباب تحديدا وليس الكهول والشيوخ؟! هل هي مجرد صدفة أم أمر مدروس يخضع لتخطيط مسبق دقيق؟ حسب تقديري فإن الخيار الثاني الأقرب للمنطق, لأن منظومتهم الاقتصادية تقتضي سواعد وعقولا في أوج العطاء واليقظة خدمة للهدف الأصلي دائما: بيت المال والخزينة.

 

عبر خيمات دعوية وملتقيات هنا وهناك يجتمعون يخططون وينتناقشون لكن أيضا يؤكلون ويشربون ويوظفون ويساعدون ويهبون ويمنحون ويؤكلون ويطببون ويمرضون.. قد يسألون من أين لك هذا؟ فيجيبون من أموال المانحين. أي مانحين؟ أنا سأجيب: مانحو المنظومة طبعا.

 

في تونس تتكرر الأخطاء لأن الظاهرة السلفية تدرس وتناقش في أغلب الأحيان من الخارج ومن زاوية ضيقة جدا تتلخص في اتهامهم بالتطرف والإرهاب والقتل وبث الفوضى والخوف والدمار وبين هذا وذاك يمر المعطى الاقتصادي والاجتماعي مرور الكرام ولا ينتبه أحد من سياسيين وإعلاميين وأمنيين إلى تأثيره البالغ في استقطاب ممولين جدد للمنظومة التي تكبر ككرة الثلج.

 

يجمع كثيرون من أصدقاء بالأحياء الشعبية على أن السواد الأعظم من الملتحقين بالتيار السلفي بعد الثورة (العلمية والجهادية وما حام حولها) إما مجرمون وقطاع طرق سابقون أو مهمشون ومحرومون أو عاطلون عن لقمة العيش يبحثون وربما أيضا هم يتامى ومشردون في رحلة البحث عن الحنان المفقود تائهون.

 

السلفيون فهموا المعادلة فنفذوها وطبقوها بينما تاهت الحكومات المتعاقبة، الدكتاتورية منها والديمقراطية، في إيجاد الترياق الشافي للمرض العضال، والتجؤوا لأيسر الطرق، القوة والعصا الغليظة، لكن بأي نتائج وبأي عواقب؟!.

 

لماذا لا تحاول الدولة عبر وزاراتها ومؤسساتها خلق قنوات للتواصل مع السلفيين من الشباب في الأحياء التي يتركزون فيها كحي التضامن مثلاث وسحب البساط ممن يملؤون أدمغتهم بالسموم، الواعظون الوسطيون من وزارة الشؤون الدينية والمرشدون الاجتماعيون من وزارة الشؤون الاجتماعية قد يكون لهم دور كبير في مثل هذا البرنامج.

 

على العموم، كل التجارب التي اعتمدت القوة في مواجهة الفكر السلفي أثبتت فشلها ابتداء من القوى العظمى مرورا بالديمقراطيات الناشئة وصولا إلى ما ينتظر دول الربيع العربي التي اختارت هذا الطريق.

 

ما دام الفقر والفساد سادة الوضع الراهن فلن يفلح أحد في اجتثاث الخطر المحدق من كل حدب وصوب، وحدها قوة المال والتنمية وتوفير الشغل والكرامة ستكفل القضاء نهائيا على ما أنتجته سنوات القمع والاستبداد والتفرد بالسلطة وسوء توزيع الثروة والتنيمة.

 

القوة في السياسة الناعمة وليس في المواجهة، سياسة المال قوام الشعوب، عملا بالمثل التونسي الشائع "حطهم (الفلوس) فوق وجه الميت يضحك".

 

الصراع بين الطرفين اقتصادي بالأساس ولم يكن يوما صراعا دينيا إيديولوجيا بل أرادته أطراف معينة أن يكون كذلك خدمة لأجندات معينة.

 

وباختصار شديد ودون مبالغة أو تشاؤم، المواجهة ستظل متواصلة طالما تواصل الفقر والخصاصة والظلم وطالما تواصل احتقار هذا لذاك وطالما استمر الغني في التهرب من الضرائب والفقير في دفعها رغما عن أنفه وطالما ظل الفاسدون يملؤون جيوبهم وبطونهم من أموال المتعففين والكادحين وطالما وطالما..

 

م.خ

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.