تونس : الحسابات الخفية لتمور “دقلة النور” التونسية

الخريف في نفزاوة ، فصل الانتظار المرير…يتلاشى حر أوسو رويدا رويدا وتقصر القوائل الملتهبة ويبدأ التمر في الاصفرار إيذانا بقرب حلول مواعيد جنيه..وتتعلق أفئدة الفلاحين بالسماء.هنا من تخوم ولاية فبلي شرقا في الطريق إلى قابس وحتى الحدود الجزائرية بعد بلاد الجريد الملتفة في شواطئ “شط الجريد” يخشى الناس أشد …



تونس : الحسابات الخفية لتمور “دقلة النور” التونسية

 

الخريف في نفزاوة ، فصل الانتظار المرير…يتلاشى حر أوسو رويدا رويدا وتقصر القوائل الملتهبة ويبدأ التمر في الاصفرار إيذانا بقرب حلول مواعيد جنيه..وتتعلق أفئدة الفلاحين بالسماء.هنا من تخوم ولاية فبلي شرقا في الطريق إلى قابس وحتى الحدود الجزائرية بعد بلاد الجريد الملتفة في شواطئ "شط الجريد" يخشى الناس أشد ما يخشون أمطار الخريف التي تستبشر بها كل الأراضي الأخرى.لأن تمر "الدقلة" لا يتحملها ولأن صابة وانتظار عام كامل قد تذهب بهما زخات خريفية قوية تفسد العراجين الذهبية وتحيلها إلى سواد حزين…

يواجهك الفلاحون في دوز وفي قبلي بالأرقام. لم يعد الفلاح اليوم مثل ما كان بالأمس جاهلا بال"ذهب" الذي بين يديه. أبناء فلاحي نفزاوة زاول أغلبهم دراسته بالجامعات ويعرفون بالضبط ماذا تمثل تلك العراجين الحبلى بالتمور الذهبية  أوائل أكتوبر . 55 بالمائة من صابة التمور من صنف "دقلة النور " الرفيع تنتجه واحات ولاية قبلي و30 بالمائة ينتج في توزر والمعروف أن دقلة قبلي هي من الصنف الرطب بينما دقلة توزر من الصنف نصف الرطب ويصدر60 بالمائة من  انتاج نفزاوة والجريد إلى أكثر من 57 وجهة في العالم مما جعل تمورنا من بين أكثر المواد الغذائية قيمة تصديرية في الأسواق العالمية …

ويلفت أبناء نفزاوة  النظر بألم إلى أن الطاقة التصبيرية الضرورية لحفظ تمور الصنف الأعلى ولإعدادها للتصدير تتركز في الوطن القبلي وعلى السواحل بالرغم من أن السنوات الأخيرة تشهد تسارع تركيز وحدات التجفيف والخزن في المنطقة. ولكن الحديث هذه الأيام في المنطقة لا يتعلق بهذه الأمور رغم أهميتها ، فالصابة على الأبواب والدقلة لا تحتمل لا الحرارة الشديدة ولا البرد ولا الأمطار…ولإن عمد أغلب الفلاحين إلى تغليف العراجين بالبلاستيك منذ أواسط أوت فإن البعض منهم تخلى عن هذه التقنية للمخاطر المقترنة بتعفن التمور بعد سفوط أية كمية من الأمطار.

الذين لهم ما يكفي من الإمكانيات يغلفون تمورهم الآن ب"الناموسية" وهي عبارة عن أكياس مهواة بثقوب رفيعة تسمح للتمر أن يتنفس ولكنها تحميه من الماء ومن الغبار ومن الحرارة وبالرغم عن جودتها وأهميتها في تغليف العراجين إلا أن أثمانها لا تزال مرتفعة حيث يباع الكيس الواحد بحوالي 5 دنانير وهو لا يغطي إلا عرجونا واحدا ، وإذا عرفنا أن النخلة قد تحمل فوق العشرة عراجين وأن الهكتار به زهاء 120 نخلة ندرك أن الفلاح الصغير والمتوسط لا يستطيع شراء هذه الأكياس..

الصابة السنة الفارطة كانت سيئة للغاية بسبب شدة حراة شهر أوت وأول سبتمبر واسودت جل التمور قبل جنيها مما كبد الفلاح خسائر كبيرة وهو الذي يعيش بمبلغ الصابة من سنة إلى  أخرى. ومؤشرات الصابة لسنة 2013 جيدة جدا إلى حد الآن ومن المتوقع أن تكون سليمة بنسبة كبيرة ما دامت قد صمدت إلى أواخر سبتمبر…

وعندما تتحدث عن الأسعار المرتفعة للتمور الرفيعة والتي تناهز 6 دينارات للكيلوغرام في شعر رمضان ولا تقل عن 5 دنانير في العادة ، يحيلك الفلاحون إلى نقاش آخر ويعلمونك أن التمور الرفيعة تباع بمعدل لا يتجاوز أبدا 3 دنانير للكيلوغرام في أحسن الحالات وأن المنظومة بأكملها خارجة عن سيطرة الفلاح في كل الأحوال …

 

ويضيفون بأن تكلفة الانتاج مثل غير التمور من القطاعات قد التهبت التهابا يصعب تصديقه. الفلاح يذكر بأنه يدفع مقابلا سنويا لمياه السقي وإن كان غير مرتفع فإنه مستوجب ضرورة وأن كل سقي للغابة كل 15 يوما يتكلف ما لا يقل عن 30 دينارا إن وجد اليد العاملة ؟ ثم إن الفلاح يدفع مقابل تلقيح النخل في فصل الشتاء حوالي 5 دنانير للنخلة الواحدة  ويدفع ما يناهز 3 نانير أخرى لكل نخلة في أوائل الصيف لتعديل العراجين ووضعها بطريقة لا تضر بالصابة  ثم 5 دنانير أخرى أواخر الصيف للتغليف , هذا علاوة على مصاريف السماد والرمل الذي يجب أن يجدد في الغابة بين الحين والآخر وغير ذلك من المصاريف الجانبية التي لا تتوقف…ولا تجد ما يمكن أن تناقش به وأن تقوم بعملية حسابية لا متناهية…

علي الشتوي

تعليق واحد

  1. التي في الصورة جزائرية وليست تونسية

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.