تونس- الكتاب الأسود أضر بالمرزوقي وحزبه قبل أن يضر بسماسرة الإعلام

لم يكن ينقص الرئيس منصف المرزوقي سببا لزيادة الخلط والتشويه لصورته ولصورة رئاسته إلا هذا “الكتاب الأسود” الذي خطط له وأنجزه الفريق الرئاسي بالطبع بعد استشارة المرزوقي…لماذا هذا الكتاب ولماذا الآن ؟ وما يمكن أن تجني منه الرئاسة في المعركة السياسية هذا إن جنت عدا السلبيات؟…



لم يكن ينقص الرئيس منصف المرزوقي سببا لزيادة الخلط والتشويه لصورته ولصورة
رئاسته إلا هذا "الكتاب الأسود" الذي خطط له وأنجزه الفريق الرئاسي بالطبع بعد
استشارة المرزوقي…لماذا هذا الكتاب ولماذا الآن ؟ وما يمكن أن تجني منه الرئاسة
في المعركة السياسية هذا إن جنت عدا السلبيات؟

قد تجهد نفسك ككل المهتمين بالموضوع وتقرأ الصفحات ال300 ونيف من هذا الكتاب
بعد تحميلها على الشبكة …وتتجول بين قائمات طويلة من الأسماء التي نعرفها
ونعرف حتى أكثر مما كتبه الكتاب الأسود عن مدى تورطها في منظومة النظام
النوفمبري البغيض ..وهنا تتساءل كيف ولماذا؟

كيف أعطى كتاب هذا الكتاب لأنفسهم الحق في التصرف بالإطلاع والانتقاء على أرشيف
الرئاسة التونسية وهو من مشمولات القضاء ولا يملك أحد البتة حق التصرف فيه بأي
شكل من الأشكال ؟ كيف تسمح الرئاسة وعلى رأسها الرئيس محمد منصف المرزوقي الذي
قضى السنوات الطوال من عمره مدافعا حقوقيا وداعية من دعاة دولة القانون بعمل
كهذا ؟ وما العمل إن نسجت على منوال الرئاسة المؤسسات الأخرى وأولها وأهمها
وزارة الداخلية مع أرشيفها الكبير والخطير مثلما لمح لذلك سمير ديلو وزير
العدالة الانتقالية؟

لقد برر عدنان منصر تصرف الرئاسة في الأرشيف بخشية أن قانون العدالة الانتقالية
الذي سينظم الإطلاع على الأرشيف الرئاسي يمكن أن يتعطل إلى ما لا نهاية في
المجلس التأسيسي ويمكن لقوى معينة أن تعطله لمزيد ربح الوقت. رب عذر أقبح من
ذنب؟

ولقد تركز الجزء الأكبر من الكتاب على المنظومة الإعلامية ونحن نعلم أن نظام بن
علي جند كل الفئات وعمل على اختراق كل شيء في البلاد ، فكيف ومن سيفتح أرشيف
رجال الأعمال وأرشيف المحامين والقضاة وأرشيف السياسيين من كل فج بعيد وأرشيف
الفنانين والرياضيين والإدارة العمومية والمؤسسات العمومية وأملاك الدولة ؟؟؟

ولنعد للإعلام والإعلاميين الذين يتناولهم الكتاب لنسلم أولا بعملية الانتقاء
التي تظل مشبوهة على كل الأحوال بالرغم من أننا مسلمون بأن بقايا النظام السابق
ومنظومته الإعلامية لا تزال تمسك بدواليب الساحة الإعلامية التونسية وإن انخرطت
ظاهريا في استحقاقات الثورة. ذلك أنه فعلا عدا ثلاثة أو أربعة أسماء اختارت
طوعا الابتعاد (ربما مؤقتا ) فإن آخرين خرجوا من الحمام بعد الاغتسال ولبسوا
مسوح الثورة الجديدة وانطلقوا كالعادة…الجرائد الأكثر قراءة اليوم ليست
العناوين التي ظهرت بعد الثورة وليست جرائد الأحزاب الكبرى وإنما يوميتين كانتا
من أكبر آليات دعاية بن علي وعبد الوهاب عبد الله . بعض المسؤولين الأول اليوم
في أجهزة الإعلام العمومي لهم في المركز الوطني للتوثيق ما يمنع عنهم الكتابة
مدى الحياة..وفي المقابل لم يمتنع أحد حسب ما نعلم من أحزاب الترويكا أو حتى من
المعارضين من التعامل مع هذا الإعلام ولئن وصفوه بإعلام العار فإنهم يتسابقون
على صفحاته وعلى برامجه؟ ماذا نفعل؟ لماذا قمنا بالثورة؟

السؤال المهم الآن ماذا أضاف لنا الكتاب في هذا الوقت وماذا ربح المنصف
المرزوقي منه؟ لا شيء في الحالتين إلا مزيد الهرج الأجوف الذي نعيشه في إعلامنا
المنهار وفي شبكاتنا الاجتماعية وفي مجتمعنا السياسي الضحل الذي يساهم حزب
الرئيس المرزوقي كل يوم في مزيد ضحالته وهذا الكتاب ليس إلا حلقة جديدة بعد
العديد من الحلقات؟

نحن بحاجة فعلا وفي أقرب الآجال أن نبدأ عملية جراحية مؤلمة تتناول الستين سنة
الماضية من دولة الاستقلال بالتشريح والفحص والمعالجة إما بالبتر الكامل أو
بتضميد الجراح وفي كل المجالات جميعا وليس الإعلام إلا واحدا منها وإن كان من
ضمن أولوياتنا جميعا مع القضاء من أجل بناء إمكانيات دولة جديدة. ولكن حاجتنا
هذه وانخراط بعضنا حبا أو كرها في استراتيجيات النظام القديم وانخراط بعضنا
الأخر في استراتيجيات أخرى بعيدة عن همومنا مثل استراتيجيات حمد بن خليفة
القطري قبل تنحيته لا تمنح الحق لأي منا أن ينتصب مثل ما انتصب روباسبيار في
الثورة الفرنسية مقيما "العدالة الثورية" وفق ما يشتهيه أو وفق ما يتماشى
ومقتضيات أجنداته الخاصة.

علي الشتوي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.