على مائدة الحوار: هذا الشكلُ فمتى الأكلُ

يأمل الرباعيّ الراعي للحوار الوطنيّ أن يكون يوم الثاني عشر من جانفي القادم يوما ختاميّا لجولات الحوار على المسارات الحكوميّة والتأسيسيّة والانتحابية وليكون الرابع عشر منه “تتويجا” يُهدى إلى التونسيّات والتونسيّين بمناسبة الذكرى الثالثة لسقوط نظام بن علي…..



يأمل الرباعيّ الراعي للحوار الوطنيّ أن يكون يوم الثاني عشر من جانفي القادم
يوما ختاميّا لجولات الحوار على المسارات الحكوميّة والتأسيسيّة والانتحابية وليكون
الرابع عشر منه "تتويجا" يُهدى إلى التونسيّات والتونسيّين بمناسبة الذكرى الثالثة
لسقوط نظام بن علي.

يقتضي هذا الأمل تقدّما ملموسا على المسار الحكومي لجهة تشكيل حكومة مهدي جمعة
المستقلّة، وتقديم العريّض استقالة حكومته، وتكليف الرئيس المؤقّت لرئيس
الحكومة الجديد. ويقتضي، أيضا، تقدّما فعليّا على المسار التأسيسيّ وذلك للفراغ
من مناقشة الدستور والتصويت عليه بعد الفراغ من المراجعات التي أقرّتها لجنة
التوافقات، وخصوصا ما تعلّق منها بالأحكام الانتقاليّة. ويقتضي أمل الرباعيّ،
أخيرا، تقدّما مقبولا على المسار الانتخابيّ، وذلك بالفراغ من تشكيل الهيئة
العليا المستقلّة للانتخابات، ومن إعداد القانون الانتخابي (وإن كان من الممكن
تأخير البتّ في هذا القانون لما بعد 14/01 القادم).

ولأنّ الرياح جرت وتجري بما لا تشتهي السفن، فلا بدّ من التذكير ببعض المعطيات
التي ينبغي وضعها بعين الاعتبار للاطمئنان إلى سلامة المسارات الثلاثة:

-إقناع الأحزاب أو الأطراف التي شاركت في حلقات الحوار السابقة، ثمّ أعلنت
انسحابها أو تردّدها إزاء الجولات القادمة – إقناعها بجدوى العودة إلى مائدة
الحوار، والتوصّل معها إلى توافقات مشتركة تقنع الجميع بأنّ الأمل في الحوار
يفوق الخيبة منه.
-توخّي حزب الرئيس أي "حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة" سياسة "منشاريّة" في
التعامل مع مُخرجات الحوار الوطنيّ، فهو "داخل في الربح خارج مالخسارة" كما
يقال. فهذا الحزب المستثنى من الحوار الوطنيّ مثلما رئيسه المستثنى من مراجعة
منظومة 23 أكتوبر 2011 كلاهما يعلن أنّه كان مصيبا حين رفض التوقيع مسبقا على
خارطة الطريق. وكلاهما يتعامل مع مجريات الحوار ومنحنياته وفق منطق الجمع
والمنع، فيأخذ كلّ ثمرات الحوار على أنّها من عِنديّاته، ويترك كلّ أعباء
الحوار وسقطاته. وليس من المستبعد أنْ يسعى "حزب الرئيس" من خلال نوّابه في
المجلس التأسيسيّ أو عبر وزرائه في الحكومة القائمة أو عبر قصر قرطاج إلى تعطيل
التقدّم على هذا المسار أو ذاك بحثا عن توازنات جديدة تخدم آفاقه الانتخابيّة.

-استعداد "جبهة الصدّ" لمواجهة أيّ جديد ينتج عن مبادرة الرباعي الراعي للحوار
الوطني. وفي هذه الجبهة تحالفات تعقدها كتل في المجلس كنوّاب "حركة وفاء" التي
انشقّت عن حزب المؤتمر ويرأسها عبد الرؤوف العيّادي، و"التيّار الديمقراطيّ"
المنشقّ بدوره عن حزب المؤتمر ويرأسه محمّد عبّو، و"تيّار المحبّة" وهو وريث ما
تبقّى من نوّاب "العريضة الشعبيّة" بقيادة الهاشمي الحامدي، فضلا عن نوّاب تشكّلوا
في أحزاب نشأت عمّا يسمّى بالسياحة الحزبية. وفي هذه الجبهة أيضا ما بات يُعْرف
بـ "المجلس الوطني لدعم الثورة". وهو تشكيل حديث أُعلن أنّه يتكوّن من "حركة
وفاء" و"حزب التحرير"، و"حركة سواعد" (وهي حركة شبابيّة موالية للحكومة القائمة)،
والتيّار السلفيّ (تمّ تغيير التسمية المذكورة سابقا وهي تنظيم "أنصار الشريعة"
المحظور قانونيّا من السلط)، وتيّار الإخوان المسلمين- تونس (أحد أذرع حركة
النهضة، وقد أنكرت الحركة وجوده سابقا)، وحزب جبهة الإصلاح (تيّار سلفي)، وحزب
الأصالة (تيّار سلفي)، وجمعية "حرّية وإنصاف" (جمعيّة ذات طابع حقوقي تكاد تختصّ
في الدفاع عن حقوق صنف معيّن من "الإنسان" دون غيره)، والمنظمة التونسية للشغل
(وهي منظّمة للعمّال وراء إنشائها موالون لحركة النهضة وحزب المؤتمر في إطار
التعدّدية ولكسر "احتكار" الاتّحاد العامّ التونسي للشغل للساحة النقابيّة)،
والجبهة التونسيّة للجمعيّات الإسلاميّة (ملتقى جمعيّات دينيّة سلفيّة، بعضها
سلفيّ أو مُوال لحركة النهضة)، وتنسيقيّة القصبة 4 (قد تتشكّل من روابط حماية
الثورة أو "رجال الثورة" وغيرهم من الموالين للحكومة، ومن الدعاة إلى اعتصام
القصبة 4 لدعم الشرعيّة وحثّ الحكومة على عدم التنازل لخصومها ومعارضيها تحت أيّ
عنوان أو مسمّى بما فيه الحوار الوطني)..

وقد تمخّضت هذه "الجبهة الصمّاء" (والتسمية من عندي ) عن مئات من الأصوات
الحائرة التي تنادت إلى ساحة القصبة يوم 17/12/ في حفل تنكّري كانت "حركة وفاء"
الراعي الرسميّ له. ومن شعاراته "تطبيق الشريعة" و"تحكيم شرع اللّه" و"نبذ الحرّية
لأنّها تتنافى مع الشرع" و"رفع الحظر والتضييق عن تنظيم أنصار الشريعة" إلى
جانب ما تيسّر من خطابات الشحن والتحريض والشيطنة ضدّ كلّ من لا يشاركهم هذه "الشعارات".

– توالي بالونات الاختبار التي يلقي بها بعض المتكلّمين باسم "حركة النهضة" من
مثل أنّه من الأفضل تشريك بعض أعضاء الحكومة الحاليّين في حكومة مهدي جمعة
لخبرتهم المستحدثة بملفّات وزاراتهم. وهذا ما قد يعصف بأسس التوافق على تشكيل
حكومة مستقلّة من الكفاءات وليس الاستنجاد بوزراء الحكومة القائمة.

من الغد الأربعاء 25/12 يبدأ – نظريّا – العدّ التنازليّ ليفرغ رئيس الحكومة
المرشّح من مشاوراته لتشكيل حكومة الكفاءات المرتقبة، وليقدّم علي العريّض
استقالة حكومته قبل يوم 8/01/ 2014. أمّا التاريخ المؤمّل للانتهاء من التصويت
على الدستور فهو يوم 12/01/2014. يوم 14/01/2014 من المفترض أن يكون يوم تتويج
هذه المسارات بالإعلان عن مرحلة انتقاليّة جديدة قبل الذهاب إلى انتخابات تراعي
فيها المعايير الدوليّة في النزاهة والمصداقيّة والشفافيّة وتساوي الفرص.

على مائدة الحوار الوطني نسأل: هذا الشكلُ، فمتى الأكل ؟

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.