تونس: هل ستتجٍرأ وزيرة التجارة على فتح ملفات الفساد؟

كشفت ثورة 14 جانفي 2011 الحجم الهائل لتفشي الفساد الإداري والمالي وحتى الاقتصادي في تونس بطريقة لم يتخيلها ويتصورها العقل فمنذ اندلاع الثورة أعلنت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بل وتحمست على محاربة الفساد وكشف كل الحقائق في العهد السابق انطلاقا من حكومة الباجي القائد السبسي والجبالي وصولا إلى حمادي الجبالي الذي كوَن وزارة كاملة تعنى بهذا الملف ومرورا بحكومة علي العريض، حيث أكدت على محاربة الفساد ومقاومته …



كشفت ثورة 14 جانفي 2011 الحجم الهائل لتفشي الفساد الإداري والمالي وحتى الاقتصادي في تونس بطريقة لم يتخيلها ويتصورها العقل فمنذ اندلاع الثورة أعلنت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بل وتحمست على محاربة الفساد وكشف كل الحقائق في العهد السابق انطلاقا من حكومة الباجي القائد السبسي والجبالي وصولا إلى حمادي الجبالي الذي كوَن وزارة كاملة تعنى بهذا الملف ومرورا بحكومة علي العريض، حيث أكدت على محاربة الفساد ومقاومته وبالخصوص تطهير القطاعات المجالات التي طالها هذا "الفيروس" الخطير الذي نخر البلاد والعباد إلى حد تفشيه في كامل شرايين دواليب الاقتصاد.

ولقد تعددت وتنوعت النداءات الداعية إلى القضاء على هذا الداء وقطع دابره ومن قبل ذلك تعالت الأصوات المنادية بالكشف عن مواطن وملفات الفساد في الميادين التي لحقتها وأثرت بشكل ملموس على سير أداءها ونجاعتها وأعاقتها لأكثر من عقدين.

وبالرغم من إحداث وزارة للحوكمة ومقاومة الفساد في تركيبة حكومة حمادي الجبالي وسرعان ما تم إلغاؤها في حكومة مهدي جمعة (؟) غير أن أدائها كان متواضعا جدا واقتصرت مهامها على المسائل النظرية من خلال الحرص على التأسيس لمقاربة لاجتثاث الفساد بمجمل أنواعه وتشكلاته من المجتمع وقد رعت الوزارة على الرغم من حداثتها وبدايتها من الصفر في وضع الأسس القانونية والترتيبية لتهيئة الأرضية اللازمة وكان آخرها الإعلان في شهر جويلية الماضي عن الإستراتيجية الوطنية لمقاومة الفساد غير أن هذه الإستراتيجية لن تر النور إلى حد الآن.

وفي الأثناء تحركت بعض الوزارات ونشّطت التفقديات العامة بها مع تركيز لجان خاصة بالفساد صلبها في كنف التنسيق مع لجنة مقاومة الفساد وبدأت في فتح ملفات الفساد، ولقد أعلن البعض من الوزراء سواء في نطاق حوارات صحفية أو ندوات إعلامية عن ملفات الفساد صلب الوزارة أو القطاع الذي يشرفون عليه وتحويل الملفات إلى القضاء مع القياد بحركات شملت مختلف المراكز الحسّاسة بالوزارة وإبعاد كل من تعلقت به شبهات أو قضايا رشاوى وفساد إداري ومالي.

غير أن المتابع للشأن الاقتصادي يلاحظ بالتأكيد أن وزارة التجارة والصناعات التقليدية لم تفتح ملفات الفساد لا على مستوى الوزارة ولا على مستوى القطاع مُخلّفة وراءها العديد من التساؤلات وغموض بشأن التأخير الكبير في الشروع عن كشف الملفات والقطاعات التي طالها الفساد منذ العهد السابق، على الرغم من أن النقابة الأساسية لأعوان وزارة التجارة لا تزال تطالب بالشروع الفعلي في فتح ملفات الفساد وبصفة جدية.

ولا يختلف اثنان في الأهمية الإستراتيجية التي يحتلها القطاع التجاري في الاقتصاد الوطني على مستوى الناتج الداخلي الخام والتشغيل والتصدير والتوريد وتوفير العملة الصعبة علاوة على ارتباطه الوثيق بالعديد من المجالات الأخرى ذات أهمية بمكان مثل الديوانة والجودة والمراقبة الفنية الضرورية لحماية النسيج التجاري والإنتاجي وصحة المواطن.

ولطالما استغلت عائلة الرئيس المخلوع وأصهاره القطاع التجاري على أبشع شكل بطريقة نخرت النسيج التجاري الوطني من خلال توريد مواد بأسعار بخسة وبجودة متدنية جدا ومضرة بصحة المستهلك من دون الخضوع إلى المراقبة الفنية وعدم المرور بالمسالك العادية للديوانة بمعنى التهرب الواضح من التصريح الديواني.

وعلى امتداد السنوات التي سبقت الثورة ارتبط القطاع التجاري بشكل وطيد "بالعائلة" التي سيطرت عليه سيطرة كلية وتحكمت فيه إلى حدّ امتلاكه.

أماّ وقد تغّيرت الأمور حاليا وكان الاعتقاد بأن تبادر حكومتي الترويكا وخاصة وزارة التجارة بفتح الملفات العاجلة ذات الصلة بالفساد، إلاّ أن الأمور ظلت على حالها ولم تتغير بشكل جذري.

إلى حدّ الآن وبعد أكثر من شهر على تسلمها مقاليد الوزارة لم تعلن نجلاء حروش رسميا عن فتحها للملفات الحارقة أو حتى إعلانها عن محاربتها للفساد في القطاع الذي تشرف عليه بدليل إن المنتوجات الآسيوية ذات الجودة المتدنية لا تزال تُغرق السوق المحلية والتساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الاتجاه هو أين إدارة المراقبة الفنية الخاضعة لإشراف الوزارة من كل هذه المنتوجات المستوردة؟

التوريد العشوائي لا يزال ينشط وبشكل طبيعي ويُذكّرنا بالعهد السابق والوزارة في سبات عميق وكلها مسائل من شأنها أن تهدد مئات من المشاريع الصغيرة وذات القدرة التشغيلية العالية بفعل المنافسة غير الشريفة.

مسالة أخرى وجب التثبت فيها والتحري بشأنها وهي المتعلقة بمنح رخص انجاز المساحات التجارية الكبرى والتي سرعان ما تم التراجع عنها فضلا عن منح رخص تنظيم المعارض بطريقة غير منظمة

الأمر الثابت والمتأكد أن الفساد الإداري والمالي الذي عرفه القطاع التجاري تسبّب في حصول خلل هيكلي للقطاع لم يقع إلى حدّ الآن تداركه وإصلاحه على الوجه الأكمل، وكل تأخير في المعالجة قد يتسبّب في مزيد تعكير الأوضاع بما يشجع على "تعفّن" أكبر للقطاع بطريقة تصعب معالجتها ووقتها الاستئصال قد يتطلب سنوات أطول من اللازم.

من الضروري على وزيرة التجارة التعجيل بفتح ملفات الفساد وتفعيل الأجهزة المختصة وفي مقدمتها مجلس المنافسة الذي له الصلاحيات القانونية والكفاءات اللازمة للمساهمة في الكشف عن مواطن الخلل.

والسؤال الحارق الذي يطرح بإلحاح هو هل ستتجرأ نجلاء حروش على فتح ملفات الفاسد في القطاع وصلب وزارتها؟

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.