تونس- ثقافة: شريط باب الفلة يفتح باقتدار ملفات قضية لم تغلق

باب الفلة , اسم ينادينا من بعيد…كل محبي المدينة القديمة يعرفون هذا الحي ويحبون أزقته ومنازله وعبق التاريخ الذي يفوح من بين جنباته وزواياه…وعندما يتحول “باب الفلة” إلى شريط سينمائي من اخراج مصلح كريم ويتولى الأدوار الكبرى فيه أسماء من قبيل علي بالنور وفتحي الهداوي ودرة زروق فإنك تهرع بحثا عن …



باب الفلة , اسم ينادينا من بعيد…كل محبي المدينة القديمة يعرفون هذا الحي ويحبون أزقته ومنازله وعبق التاريخ الذي يفوح من بين جنباته وزواياه…وعندما يتحول "باب الفلة" إلى شريط سينمائي من اخراج مصلح كريم ويتولى الأدوار الكبرى فيه أسماء من قبيل علي بالنور وفتحي الهداوي ودرة زروق فإنك تهرع بحثا عن وعد برحلة متعة باهرة تتجول بك بين المدينة وناسها..بين الأمكنة والمشاعر المتراكمة في القلوب وبين صروف الدهر وألوان النفوس…

"باب الفلة" محاولة لإنهاء قصة جريمة (أو جرائم) ظلت مفتوحة الملف منذ سنين طويلة ، جرائم بدوافع الحب والقهر والغيرة وأشياء أخرى مريرة في غياهب القلب البشري…الايطالي العجوز (قام بالدور باقتدار كامل الممثل علي بالنور وحاز عليه جائزة أفضل ممثل في مهرجان للفيلم بالمغرب ) المسكون بهوس السينما والذي يعرض اقلاما تونسية لسكان الحي في قاعة غير مهيئة (تحية غير مباشرة من المخرج للسينمائيين التونسيين من الأجيال الأولى) يتذكر تفاصيل الأحداث التي تزاحمت في الآخر لتقضي على من يحب…والممثلون في الفيلم ، النماذج القريبة والصادقة من الحياة اليومية تنسيك للحظات فارق السنين بين اللحظة وذلك التاريخ…الحبكة جيدة التركيب والنسق التصاعدي للشريط يشدك بذكاء عبر خيط الصحفي القادم من اليوم والباحث في مغارات الأمس ودهاليزه وأشباحه والذاهب قدما في بحثه حتى لحظة نهاية الراوي (الشيخ الايطالي) ونهاية القصة معه…

تعودنا لسنين طوال أن نحاسب السينما التونسية على ما كنا نعتبره "جدية " الموضوع والذي يعني في أذهاننا أن الابداع يكون سياسيا أو لا يكون…وهمشنا بهذا الذوق "الثوري" الملتزم ألوانا مهمة جدا من السينما التي تروي حياة الناس وتحكي أحزانهم وأتراحهم اليومية وقصص الحب والجريمة والمال …"باب الفلة" ليس فيلما سياسيا ولا مناضلا بالمعنى ذاك الذي طالما قصدناه, إنه شريط درامي يحكي جرائم انسانية يتسبب فيها الحب والغيرة والامتهان والاحتقار وتتشكل في النفوس المريضة أجوائها القاتمة …

كتب سيناريو الفيلم منذ سنة 1997 ولم يكتب له الظهور إلا بالصدفة سنة 2008 حسب مخرجه مصلح كريم …ومن الصدف أن بداية التصوير كانت يوم …13 جانفي 2011 وكان الدور الأول سيمثله الفنان هشام رستم. وتوقف كل شيء عندها ولما حان وقت إعادة التصوير لم يكن هشام رستم متوفرا فاستقر الرأي على علي بالنور…ورب ضارة نافعة فعلي بالنور يقوم في" باب الفلة "بأحد الأدوار المركبة الرائعة في حياته الفنية وهو الذي تعودناه أكثر في المسلسلات التلفزية هاهو يبرهن هنا عن قدرات عجيبة تستوجب من المخرجين التونسيين في المستقبل أن يفتحوا الباب للأقل شهرة فلعلهم يغنمون بالروعة..

لن ننسى في هذا الشريط الممثلين الآخرين مثل فتحي الهداوي الرائع دائما ومنصف السويسي المخضرم وخاصة درة زروق التي تتألق أيضا في دور الفتاة البسيطة التي تجد نفسها منساقة ضحية خيوط مشاعر ومركبات لا تدري آخرتها …

عندما تجد من الشجاعة والشغف ما يدفعك حبا في السينما والتونسية منها بالخصوص أن تتحمل أجواء ما تبقى في العاصمة من قاعات وتتناسى لوهلة انعدام الذوق والتربية فأنك ستجد في "باب الفلة" فسحة للاطلاع على وجه آخر من الابداع..

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.