تونس-الاصلاح التربوي..رهانات أول الاصلاحات الكبرى بعد الثورة

eleve

ابتدأ منذ أيام العمل التشاركي الكبير حول الاصلاح التربوي حسب ما أعلنت عنه الحكومة وبالاشتراك مع اتحاد الشغل والمعهد العربي لحقوق الانسان (وهذا ما أثار انتقادات كثيرة) . ويكتسي ملف الاصلاح التربوي أهمية قصوى في مسار الثورة التونسية لأنه أولا من أوكد وأهم الاصلاحات المطلوبة وثانيا لأن مساره وانجازه سيكون مثالا للإصلاحات الكبرى الأخرى التي تحتاجها البلاد من أجل بناء الجمهورية الثانية الجديدة …

ومما يعقد الأمر شمولية الاصلاح التربوي لكل أوجه الحياة ولكل الفئات الاجتماعية . فانطلاقا من مبدئية الاقرار بالحق الدستوري للمواطن في تعليم مجاني وإجباري حتى سن السادسة عشرة تكفله له الدولة دون تمييز من أي نوع كان يترتب عن ذلك مقاربة شمولية للتربية والتكوين تشمل التعليم بمختلف مراحله والتكوين المهني بكل مساراته ..ويتفق الجميع في هذا الموضوع أن الاصلاح التربوي هو في واقع الامر المنصة الحقيقية لإقلاع البلاد وتقدمها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهذا ما يزيد الملف تعقيدا ..

ولكن التعقيدات في ملف الاصلاح التربوي كثيرة ومتعددة ومتشعبة تعقيد وتشعب الوضعية التي آل إليها نظامنا التربوي بعد الاصلاح الكبير الأخير الذي تم في سنة 1992 بإشراف وتوجيه المرجوم السيد محمد الشرفي والذي بالرغم عن نبل بعض توجهاته فإنه بحكم عوامل سياسية متعددو قد انحرف عن المرغوب وأنتج لنا بعد التنقيحات المتكررة المطبات التربوية الكبرى التي نعاني منها اليوم مثل نظام المقاربة بالكفاءات ومثل نظام الباكالوريا ب25 بالمائة ومثل مسارات المعاهد التكنولوجية …

يستوجب الاصلاح التربوي المزمع انجازه أن نيتعد أولا عن تسييسه بعدا تاما وأن تكون الكلمة الاولى في طرح اشكالياته للمختصين في البيداغوجيا وعلوم التربية وللمهنيين من أساتذة ومعلمين ومتفقدين ذوي الخبرة في التعليم وذوي الانفتاح الكافي على التجارب الأجنبية الناجحة…كما يستوجب النجاح في هذا الاصلاح أن نكف عن التصورات المقتطعة من السياق وعن القرارات الشعبوية من قبيل ما أعلن عنه مؤخرا وحتى قبل الشروع فعلا في

الاستشارة الواسعة من نية في تخفيض ساعات الدروس المسائية وزيادة عدد العطل ورزنامتها الجديدة..
الاصلاح التربوي سيجرنا إلى إعادة النظر في الزمن المدرسي مع ارتباط هذا الاخير ارتباطا وثيقا بالزمن الاجتماعي وبمواقيت العمل والراحة في البلاد …الاصلاح التربوي فيه عمق سياسي فلسفي يتعلق بمواضيع الهوية واللغة الوطنية واللغات الأجنبية والانفتاح على الحضارة الكونية مما يتطلب نقاشا

وطنيا عاما شاملا مسؤولا ومنفتحا على كل مكونات المجتمع السياسية والثقافية ..

وعلاوة على المكانة الأولى التي يجب أن تعطى لرأي المدرسين من مختلف الاصناف فلا بد أن ندخل في حسابنا آراء أهل الخبرة خاصة في المواضيع المتشابكة مثل محتويات التكوين المهني ومسارات التكوين الجامعي وعلاقتها بالمؤسسات والتشغيل وكذلك رأي خبراء الطفولة المبكرة في ملف مؤسسات ما قبل التمدرس ومعضلة الرياض والمحاضن التي تفشى فيها الفكر الداعشي والمتخلف ..

ملف الاصلاح التربوي ليس بالهين تماما ولا بالسهل وهو بمثل هذه الخطورة لا مجال فيه للغلط أو التسرع أو انصاف الحلول أو المجاملات من أي نوع كان …كما ان عديد المسائل الممنوعة من النقاش لسبب أو لآخر مثل تمويل التعليم والدروس الخصوصية والتعليم الخاص والمساهمات الشعبية في العناية بالمدارس والمعاهد كلها مواضيع لا تحتمل أن نؤجلها أو ان نفصلها عن السياق العام للإصلاح…

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.