سنيا مبارك: استعادة الفضاءات العامة بالفن حتى لا تبقى الثقافة داخل الأسوار

 

أكدت وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث سنيا مبارك حرص الوزارة على مواصلة جعل الثقافة قريبة من الجميع وفي خدمتهم وذلك بأن تكون داخل أسوار الفضاءات الثقافية وخارجها . وتحدثت في لقاء مع (وات) عن تجسيم هذه السياسة عبر الأنشطة الثقافية الرمضانية وكذلك المهرجانات الصيفية، وغيرها من التظاهرات التي تم ضبطها على امتداد الأشهر المقبلة .

والى جانب المسالك الثقافية الرمضانية والمهرجانات الصيفية أشارت الوزيرة الى الاستعدادات الكبيرة لمشروع تسجيل عرائس الطين بسجنان على قائمة التراث العالمي لليونسكو، والذي سيسجل بذلك حضور تونس لأول مرة على قائمة التراث اللامادي العالمي.

وفي حديثها عن استعادة الفضاءات العامة بالفن، شددت سنيا مبارك على أهمية المسلك الثقافي الرمضاني لمدينة تونس الذي انطلق يوم 14 جوان الحالي والمسلك الثقافي سيدي بوسعيد، مبينة أن أنشطة المسالك لا تقتصر على إحياء السهرات الموسيقية بل تتضمن كذلك معارض للفنون التشكيلية منها الصالون التونسي للفن المعاصر الذي يستضيفه قصر خير الدين متحف مدينة تونس الى غاية 30 جويلية، وأنشطة لتثمين التراث والترويج للصناعات التقليدية، ولقاءات أدبية وسهرات شعرية وعروض مسرحية وغيرها من الأنشطة الفنية المتنوعة التي تستجيب لكل الأذواق، والتي تستضيفها أماكن مشحونة بعبق التاريخ على غرار النادي الثقافي الطاهر الحداد ودار الأصرم وبئر الأحجار ونهج سيدي بن عروس وباب سويقة وغيرها.

كما أعد المركز الوطني للاتصال الثقافي بالمناسبة مجموعة من الأنشطة والتظاهرات التي تؤثث ليالي رمضان 2016 وذلك بهدف السماح لأكبر عدد من الشباب من الاستفادة وجعل الثقافة في متناولهم جميعا حيثما كانوا، ضمن مقاربة تشاركية تجعل المواطن شريكا في الفعل الثقافي.

ولن تقتصر أنشطة المسلك الثقافي على شهر رمضان بل ستتواصل إثره وخاصة في الأحياء الشعبية والمناطق المحرومة وفق ما ذكرت الوزيرة، التي شددت في هذا السياق على ضرورة أن يحرص المندوبون الجهويون للثقافة على خلق هذا التفاعل والعمل على استمراره على مدار السنة حرصا على تثمين المدن العتيقة وتقريبها من الشباب من جهة، وحمايتها والمحافظة عليها من جهة أخرى. وبينت الدور الهام للمجتمع المدني والفنانين والمبدعين عموما في تقريب المواطن من التراث وتوعيته بأهمية الثقافة في حياته اليومية خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمر به تونس باعتبار أن الثقافة سلاح سلمي من شأنه أن يساهم في الحفاظ على التنوع واحترام الآخر ويستعيد الفضاء العام بعيدا عن النظرة البالية لعلاقة المواطن بهذا الفضاء واعتباره مجرد ملاحظ أو “مستهلك”.

وعلاوة على المسالك الثقافية ستشهد هذه الصائفة انطلاق مهرجان جديد يحمل عنوان “الشارع” في إشارة الى الشارع الرمز شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، وترتكز برمجة هذا التظاهرة التي تنطلق يوم 22 جوان على تنشيط الشوارع حيث سيقع تركيز منصة عملاقة بشارع بورقيبة لتستضيف مجموعة من عروض الفن الشعبي وفنون الركح وغيرها من الأنشطة التي سيكتشفها المارة بهذا الشارع، وذلك في إطار الحرص على تقريب الفنون من المواطن والخروج بها من الفضاءات المغلقة.

وسيكون جمهور المهرجانات الصيفية على موعد بعد شهر رمضان مع الدورة 52 لمهرجان قرطاج الدولي (من 13 جويلية الى 25 أوت) وكذلك مهرجان الحمامات الدولي (من 9 جويلية إلى 20 أوت) ، وستواصل التظاهرتان العمل بمبدأ تقريب الثقافة من المواطن عبر برمجة مجموعة من العروض خارج أسوار المسارح الرومانية أي داخل بعض المناطق الداخلية عبر تقديم العروض مباشرة على شاشات عملاقة في ساحات عامة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد الى ان عروض مهرجان الحمامات ستخرج لأول مرة من المركز الثقافي الدولي نحو البرج قبالة شاطئ الحمامات وسط المدينة. وفضلا عن مهرجاني الحمامات وقرطاج ستشهد هذه الصائفة تنظيم خميسنية مهرجان تستور الدولي للمالوف والموسيقى العربية التقليدية الذي وحظي بتشجيع خاص من وزارة الثقافة وفق ما أكدت سنيا مبارك.

ولن تؤثث المهرجانات فقط صائفة 2016 بل سيكون الحدث الأكبر تنظيم تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية التي من المنتظر أن تنطلق فعالياتها يوم 23 جويلية لتتواصل على مدى ثمانية أشهر (إلى غاية مارس 2017) وستنطلق التظاهرة بفقرات تنشيطية للشوارع وعرض موسيقي بإمضاء الفنان محمد علي كمون، وعازف الكمان زياد الزواري رفقة مجموعة من الموسيقيين من صفاقس.

وعلى صعيد آخر بينت وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث أن هذه الصائفة ستشهد أيضا تنظيم مجموعة من اللقاءات الحوارية لمحاولة البحث عن حلول قريبة ومتوسطة وطويلة المدى لكل من قطاع الكتاب والسينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى. ولن تقتصر اللقاءات على تشخيص الأوضاع في كل مجال بل سيتم تحديد خمس أولويات ووضع مخطط عمل لمجابهة الصعوبات التي تعترض الناشطين في كل مجال من هذه المجالات الثقافية.

أول لقاء سيلتئم يوم 23 جوان بالمكتبة الوطنية وسيجمع الكتاب والناشرين وأصحاب المكتبات والموزعين، وستليه أربعة لقاءات أخرى بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات تتمحور حول السينما (28 جويلية) والمسرح (5 أوت) والفن التشكيلي (8 أوت) والموسيقى (17 أوت).

وستشهد نهاية شهر أوت 2016 انطلاق أشغال مشروع موقع أوذنة الأثري لتتواصل إلى سنة 2017 وسيتضمن هذا المشروع بالخصوص تهيئة فضاء لاستقبال السياح والزائرين من مختلف الجهات، ولن تكون أوذنة وفق الوزيرة مجرد وجهة بل ستكون أحد مكونات مسلك ثقافي سياحي شامل يتميز كذلك بتهيئة متحف أثري.

وأكدت سنيا مبارك أن الاهتمام بالتراث المادي يرافقه كذلك حرص على تثمين التراث اللامادي، مشيرة في هذا السياق الى المجهودات المبذولة من أجل إتمام الملف الخاص بتسجيل عرائس الطين بسجنان ضمن قائمة التراث العالمي اللامادي لليونسكو وذلك قبل حلول سنة 2017 مشيرة الى ما تزخر به تونس من ثروات تعد ضمن التراث اللامادي الا أنها غير مسجلة على عكس بعض البلدان المجاورة لتونس.

وعرجت الوزيرة على الرصيد الذي تتمتع به تونس في مجال الفن التشكيلي مبينة أن نحو 12 ألف لوحة تشكيلية موجودة بمخزن قصر سعيد، ومعرضة للتلف سيقع نقلها في غضون شهر ونصف على أقصى تقدير إلى مقر المكتبة الوطنية. وبينت أنه تم إشراك عدد من الخبراء والمختصين وممثلي اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ونقابات الفنانين التشكيليين في عملية جرد هذا المخزون الهام. ولدى تطرقها إلى ترميم بعض الأعمال الفنية أشارت الوزيرة إلى إمكانية الاستفادة من خبرات بعض الشركاء الأجانب القادرين على تقديم الدعم على المستوى التقني وعلى مستوى الخبرة.

ومثل الاحتفال بخمسينية أيام قرطاج السينمائية، التي ستلتئم بين موفى أكتوبر وبداية نوفمبر 2016، أحد أهم محاور لقاء (وات) مع وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث حيث بينت أن هذه الدورة ستتميز بتنظيم معارض دولية كبرى على غرار معرض حول التسامح والأديان سيستضيفه متحف باردو وآخر بمتحف قرطاج حول الهولندي جون ايميل هومبار وذلك في شهر أكتوبر المقبل. كما ستشهد الفترة ذاتها تنظيم عدد من اللقاءات الكبرى من بينها لقاء وزراء الثقافة العرب بتونس.

وفي ختام حديثها عن توجهات الوزارة وعن ثراء البرمجة الثقافية في الأشهر المقبلة، بينت سنيا مبارك الحرص على دعم كل التظاهرات والمبادرات المتفردة والتي تحمل تجديدا وتكون في خدمة الجميع، وذكرت في هذا السياق أن الدورة السادسة لعيد الرعاة بسبيطلة (2017) ستحظى باهتمام خاص نظرا لما تحمله هذه التظاهرة من خصوصية وتفرد، مشددة على أننا في أمس الحاجة اليوم في تونس إلى مثل هذه المبادرات التي من شأنها أن تقرب الثقافة من أبناء المناطق الداخلية وتحميهم من خطر الإرهاب والدغمائية، وتجعل مقولة “الثقافة والفن للجميع” واقعا معيشا لا مجرد شعارات فضفاضة.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.