هيئة العدالة الانتقالية تشرع يومي 17 و18 نوفمبر 2016 في اولى جلساتها العلنية

hakika-et-karama
تشرع هيئة الحقيقة والكرامة يومي 17 و18 نوفمبر 2016 بنادي “عليسة” بمنطقة سيدي بوسعيد من الضاحية الشمالية للعاصمة جلسات الإستماع العلنية لضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان، إبتداء من الساعة الثامنة والنصف مساء.
وفي هذا الصدد يجمع عدد من المهتمين بمسألة العدالة الإنتقالية على أن هذا الموعد “سيُمثل لحظة فارقة في تاريخ تونس وخطوة نحو استكمال مسار العدالة الانتقالية المفترض من خلالها أن يتمّ أولا كشف الحقيقة ثم المحاسبة والمصالحة ومن ثمة جبر الضرر وإصلاح المؤسسات وأخيرا حفظ الذاكرة وإعادة كتابة التاريخ”.
ويرى المركز الدولي للعدالة الإنتقالية ان العدالة الانتقالية “ليست نوعًا “خاصًّا” من العدالة، إنّما هي “مقاربة لتحقيقها في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة مع تقديم إعتراف بحقوق الضحايا وتشجيع الثقة المدنية، وتقوية سيادة القانون والديمقراطية”
كما جاء في العديد من تقاريره وتقارير هيئة الحقيقة والكرامة أن “شهادات الضحايا ليست مجرد قصة عادية تغطيها وسائل الإعلام وإنما هي حدث وطني وجزء من تاريخ تونس سيتم توثيقه وحفظه وأن العدالة الإنتقالية إنصاف للضحية لا التشفي من الجلاد.
ومن المنتظر ان يحضر هذه الجلسات التي ستتواصل يومي 17 و18 نوفمبر الجاري حوالي 1000 شخص بعد ان وجهت الهيئة الدعوة إلى كافة رؤساء الهيئات المماثلة لهيئة الحقيقة والكرامة في العالم، الى جانب ممثلي سفارات البلدان الشقيقة والصديقة لدى تونس، فضلا عن دعوة الرؤساء الثلاثة(رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة).
وستخصص الجلسات للاستماع لضحايا الإستبداد وفق رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين التي أكدت في لقاء مع صحفيي “وات” أنه سيكون لها تأثير إيجابي وأن الهدف منها “إيصال المعلومة إلى الرأي العام وتوثيق الحقيقة، قصد إنصاف الضحية ومحاسبة المنظومة، لا محاسبة الجلادين والإنتقام منهم”.
كما أوضحت أن كل واحدة من جلسات الإستماع ستتضمن بين 4 و5 شهادات للضحايا غيرهم، عملا بشعار “لا صوت يعلو فوق صوت الضحية” على أن تدوم كل شهادة بين 30 و40 دقيقة، مشيرة إلى أن الهيئة ستمكن الصحفيين من ملفات تلخص حالات الضحايا الذين سيكونون مكشوفي الوجه لدى تقديمهم لشهاداتهم.
وعن عقد الجلسات العلنية والسرية لضحايا الإستبداد الذين تقدموا بملفاتهم، على أساس تعرضهم لانتهاكات من قبل النظام خلال الفترة الممتدة بين 1955 و2013، لاحظت بن سدرين أن ذلك يعد من الواجبات الموكولة للهيئة، مبينة أنه تم عقد 10 ألاف و800 جلسة استماع سرية، تراوحت بين ساعتين و3 أيام للبعض منها، من جملة أكثر من 65 ألف ملف تم إيداعها لدى الهيئة وأن الإنتهاء من هذه الجلسات يفترض أن يكون في جوان 2017.
أما عن اختيار نادي “عليسة” فقد تم التأكيد على أن إختياره يندرج في إطار محاكاة التجربة الألمانية التي قامت بمحاكمة النازيين في مقراتهم على إعتباره المكان الذي كانت تقيم فيه ليلى بن علي زوجة الرئيس الأسبق وصديقاتها حفلاتهن الخاصة مشيرين إلى أنه يندرج في إطار محاولة لمصالحة الشعب مع الفضاءات التي تحمل رمزية خاصة ومساعدته على إسترجاعها وإرتيادها.
وبالعودة إلى مسار العدالة الإنتقالية فقد انطلق هذا المسار بعد سنتين من الثورة ولاقى دعما من المجتمع الدولي على إعتبار أنه طرح كآلية “لإرساء التحول نحو نظام ديمقراطي للدولة بعد الإطاحة بنظام بن علي وحل المؤسسات الدستورية الأساسية ودخول تونس بمقتضى المرسوم عدد 14 لسنة 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية فترة إنتقالية دعمتها المطالب ذات السقف المرتفع التي مثلت قضايا حقوق الإنسان أبرز عناوينها.
وبخصوص إنجاحه تم التأسيس لهذه الإعتبارات وغيرها في مشاريع ومبادرات قانونية من بينها قانون العدالة الإنتقالية لسنة 2013 الذي تم الإستئناس فيه بالتجارب المقارنة لكن عدد من السياسيين والحقوقيين أجمعوا لدى تقييمهم للمسار على انه لم يكن في المستوى المأمول وبأنه “منهك” و”متعثر” جراء “الصعوبات والتجاذبات والهزات الإرهابية” التي شهدتها البلاد .
ودعوا من خلال تصريحاتهم كافة الأطراف إلى تحمل مسؤولية إنجاحه على إعتبار أن “الهدف من العدالة الإنتقالية وتكوين لجان مصالحة هو الإنتقال من بيئة سياسية محكومة بالإستبداد إلى الممارسة الديمقراطية”.
وفي هذا الإطار رأى المركز الدولي للعدالة الإنتقالية، في عدد من تقاريره، أن “العملية الإنتقالية لم تخل من الإستقطاب والإضطراب وانعدام اليقين، مما ساهم في ظهور إنشقاقات في المجتمع التونسي” رغم أن “التونسيين والتونسيات وفق تقديره تقدموا في غضون سنة واحدة نحو إقامة الحكم الديمقراطي من خلال إحداث هيئة الحقيقة والكرامة وتجاوز الأزمات السياسية المتلاحقة وسن قانون العدالة الإنتقالية.
وعن الدور المناط بعهدة هيئة الحقيقة والكرامة فيشار إلى أن هذه الهيئة كانت محور انتقادات كثيرة منذ إنشائها وتعلقت هذه الإنتقادات بطريقة انتخابها وبتركيبتها وعدم حيادها خاصة بعد تصريحات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي تحدث فيها عن عدالة انتقامية ورغبة في مراجعة المسار بأكمله.
كما تواترت أكثر ببروز الخلافات الداخلية وظهور الإستقالات والإقالات انطلقت بتسريب رسالة سرية من نائب رئيس الهيئة يشكو فيها من عدم حيادية رئيسة الهيئة وارتكابها أخطاء جسيمة في طريقة تسييرها وتفردها بالرأي وتواصلت بمنع البعض من أعضائها من ممارسة مهامهم على غرار ليليا بوقيرة ومصطفى البعزاوي مما احدث شغورا في تركيبة الهيئة.
وقد أثارت الشغورات صلب الهيئة عدة تساؤلات في ما يتعلق بمسار العدالة الانتقالية ودور مجلس نوّاب الشّعب في سد الشغور وتحمل مسؤوليته في إتمام مسار العدالة الانتقالية، لاسيّما بعد ان أعلنت اللجنة الخاصة بفرز ملفات الترشح لعضوية هيئة الحقيقة والكرامة، عدم فتح باب الترشحات لسد الشغور.
ولهذا السبب دعا المؤتمر الوطني للعدالة الانتقالية الذي نظمته التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” ومنظمة “محامون بلا حدود”، مؤخرا البرلمان إلى القيام بواجباته المحمولة عليه قانونا بسدّ الشغورات كما أوصى بدعم التعاون الوثيق والكامل بين مختلف المؤسسات العمومية المتداخلة فيما يتعلّق بآلية التحكيم التي تشرف عليها هيئة الحقيقة والكرامة.
وأوصى بضرورة تحسيس كل الفاعلين الذين تم إشراكهم في جهود جبر الضرر بجميع جوانب ذلك وإلى إعادة الاعتبار على الصعيد الاجتماعي والنفسي والمهني والجبر الرمزي، ودعم قدرات الفاعلين في هذا الصدد خاصة في مجال التكفل.
كما اكد على ضرورة إدماج البرامج المتعلقة بحقوق الإنسان في المناهج التربوية ومراجعة برامج التاريخ في تلك المناهج لضمان نقل الحقيقة للأجيال القادمة إضافة إلى إقرار يوم 17 ديسمبر يوما وطنيا للإقرار بالضحايا وتحويل موقع السجن المدني بالمرناقية إلى متحف إضافة لإنشاء مركز وطني لحفظ الذاكرة.
ودعا المؤتمر رئيس الجمهورية الى سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، كما دعا كل مصالح الدولة بما فيها المكلف العام بنزاعات الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في علاقة مع ملفات الفساد والتجاوب مع الهيئة.
كما كان لرئيسة الهيئة لقاء في هذا الجانب مع رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر للعمل على فض الإشكالية المتعلقة بهذه المسألة وتطبيق ما جاء في الفصل 148 من الدستور الذي يلزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الإنتقالية في جميع مجالاتها.
يشار إلى أن عددا من البلدان انخرطت في مسار رسمي للعدالة الانتقالية إثر فترات نزاع أو ديكتاتورية عرفت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان على غرار مساريْ الكشف عن الحقيقة ببولونيا والمجر والهيئة الوطنية للمفقودين بالأرجنتين وهيئة الحقيقة والمصالحة بجنوب إفريقيا، وهيئة المصالحة والإنصاف في المغرب الأقصى.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.