المجتمع المدني يرفض عودة الإرهابيين من بؤر التوتر … والأرقام الرسمية تؤكد أن جزءا منهم عادوا فعلا

ينظم عدد من منظمات المجتمع المدني، غدا السبت، 24 ديسمبر، بساحة باردو، أمام مجلس نواب الشعب، مظاهرة، للتعبير
عن رفض عودة “الإرهابيين” التونسيين من بؤر التوتر، مثل سوريا وليبيا والعراق، وغيرها من البلدان التي تتحرك فيها التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”.

خوف مجتمعي من العودة … لكنهم عادوا فعلا

ولئن جوبهت التصريحات “الممهدة” لعودة “الإرهابيين” التونسيين بانتقادات واسعة ورفض قاطع، فإن الأرقام الرسمية المصرح بها من قبل وزارة الداخلية تؤكد أن عددا منهم عاد بالفعل.
فقد صرح وزير الداخلية، الهادي مجدوب، خلال جلسة استماع له بالبرلمان، الجمعة، 23 ديسمبر الحالي، أن 800 تونسيا عادوا من بؤر التوتر، مشيرا إلى أن الوزارة لديها كافة المعطيات المتعلقة بهم.
وأشار في هذا الخصوص إلى “إمكانية وجود عدد آخر لا تتوفر حولهم أية معلومات”، مبينا أن “الوزارة لديها كافة المعطيات اللازمة المتعلقة بالتونسيين الموجودين في بؤر التوتر”، وأنها “على أتم الاستعداد للنقاش حول هذه المسألة أمام لجنة الأمن والدفاع صلب مجلس نواب الشعب في أقرب الآجال”.
من جهته، قال المستشار الأول لرئيس الجمهورية، نور الدين بن نتيشة، في تصريحات إعلامية، “إن تونس تتوفر لديها أرقام عن عدد التونسيين الموجودين في بؤر التوتر، والذي يبلغ حوالي 3600 شخص”.
وفي محادثة هاتفية جرت يوم 23 ديسمبر الجاري، بين المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، صرحت ميركل في ندوة صحفية “قلت للرئيس التونسي إنه يتعين علينا الإسراع بعملية إعادة طالبي اللجوء التونسيين الذين رفضت مطالبهم، والاستمرار في زيادة عدد المرحلين”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية.

حديث غير رسمي عن العودة وتأكيدات رسمية على التمكن من الوضع

وكانت تصريحات سابقة لرئيس الجمهورية لوسائل إعلام أجنبية، تحدث فيها عن عدم قدرة الدولة التونسية على منع “الإرهابيين” التونسيين من العودة إلى البلاد بمقتضى نص الدستور(الفصل 25 منه)، قد خلفت موجة استنكار ورفض من قبل عديد تنظيمات المجتمع المدني، وأثارت جدلا واسعا بين أطراف المشهد السياسي والإعلامي الوطني.
وإزاء تلك الانتقادات، نشرت رئاسة الجمهورية، توضيحا على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، لتصريحات قائد السبسي، التي تطرق فيها إلى موقفه من عودة الإرهابيين التونسيين، الذين يقاتلون في بؤر التوتر في العالم، إلى جانب التنظيمات “الجهادية”، مثل “القاعدة” و”داعش، والتي قال فيها “نحن لا نمنع أيّ تونسي من العودة إلى بلاده، وهذا مبدأ دستوري. ثانيا إنّ كل شخص يعود بما يحمله من خصاله أو مساوئه، ولا بدّ من أن نتعامل مع العائد، أمنيّا وسياسيّا، بما يقتضيه الوضع، لأنّنا في تونس اتّخذنا الاحتياطات اللاّزمة بالنسبة إلى جاليتنا. والذين يرغبون بالعودة فمرحبا بهم. لكن كلّ إنسان يعرف أنّه يعود بأفعاله”.
وقد اعتبرت أحزاب سياسية وسطية ويسارية بالخصوص، ومكونات المجتمع المدني، أن هذا الكلام ينطوي على “تحضير ضمني” لعودة التونسيين المتورطين مع التنظيمات الإرهابية، ولعدم رفضهم، بتعلة أن الدستور يمنع ذلك.
وقال القيادي بحزب نداء تونس، لطفي النابلي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، “كنا في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان التي كنت رئيسها، قد قدمنا مقترحا في قانون الإرهاب ينص على سحب الجنسية التونسية عن كل من تورط مع التنظيمات الإرهابية داخل أو خارج أرض الوطن، لكنه لم يحظ بالقبول”، وأشار إلى أنه ليس هناك أي مشروع قانون قدم من أي جهة كانت يشرع لعودة المقاتلين في بؤر التوتر، مبينا أن “كل معالجة لهذا الملف، ستتم في إطار قانون مكافحة الإرهاب فقط”.
ولئن وافقه زميله في البرلمان عن حركة النهضة، نور الدين البحيري، في هذا الرأي، وأكد ل(وات) أنه “لن تتم محاسبة هؤلاء التونسيين إلا في إطار قانون مكافحة الإرهاب”، فإن تصريحات سابقة لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، تذهب مذهبا آخر.
ففي تدخل له بثّ على أمواج إذاعة “شمس اف ام” الخاصة، سنة 2015، صرّح الغنوشي بقوله “إن المصالحة لا تستثني أحداً، وباب التوبة يبقى مفتوحاً، حتى مع الجهاديين. ومن واجبنا أن نستفيد من تجارب الآخرين، فالجزائر إكتوت بنار الإرهاب، وعندما قدم الرئيس بوتفليقة، فتح باب الوئام الوطني والمصالحة الوطنية، فنزل خمسة آلاف من الجبال، واندمجوا في المجتمع الجزائري، وكذلك حصل في المغرب الذي احتوى هؤلاء من خلال جيش من العلماء الذين يدعون إلى الوسطية والاعتدال”.
وقد أثار هذا التصريح انتقادا كبيرا لدى الرأي العام، وتم تداوله ضمن حملة تنديد على شبكات التواصل الاجتماعي، رغم محاولة حركة النهضة التقليل من حدّة ما جاء على لسان زعيمها.
تجدر الإشارة إلى أن تقارير دولية متطابقة، أشارت إلى أنه هناك ما بين 4 و5 آلاف تونسي يقاتلون إلى جانب الجماعات الإرهابية خارج تونس مع “داعش” و”القاعدة” وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
وكانت وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، قد راسلت وزارة الداخلية لمدها بآخر الأرقام والمعطيات بخصوص التونسيين المتورطين مع التنظيمات الإرهابية في الخارج، لكنها لم تتلق حتى اليوم أية إجابة عن طلبها.
وكان الآلاف من الشباب التونسي، بما في ذلك نساء، قد تم استيعابهم وتأطيرهم من قبل التنظيمات الإرهابية بين 2011 و2013، وتم لاحقا تسفيرهم إلى سوريا وليبيا والعراق.
وتعود أهم موجة لتسفير لهؤلاء، وفق تقارير إعلامية وتحليلات سياسية متداولة، إلى فترة حكم “الترويكا”، قبل أن تتمكن الحكومات اللاحقة بداية من 2014 من وضع إجراءات أمنية، تم بموجبها منع حوالي 8 آلاف من الالتحاق ببؤر التوتر في الخارج، وفق تصريحات رسمية لمسؤولين أمنيين في تونس.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.