تدشين ساحة شكري : مواقف ناقدة للاخراج الفني للنصب التذكاري وتأويلات سياسية في أكثر من اتجاه


أثار النصب التذكاري الذي وضع “بساحة الشهيد شكرى بلعيد لحقوق الانسان” بالعاصمة، والتى دشنها أمس الاثنين رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في اطار احياء الذكرى الرابعة لاغتيال القيادي في الجبهة الشعبية، العديد من ردود الافعال السلبية حول شكل النصب الذي تضمن تغليب اسم رئيس الجمهورية بنقش ذهبي على اسم بلعيد.
وتعددت المواقف بخصوص هذا النصب الذي لم يستجب حسب العديد من المتابعين لقيمة الشهيد السياسية والوطنية و لا يفي بحقه النضالي في مقارعة منظومة الاستبداد والافكار الظلامية على حد السواء ، حيث اعتبر غالبية انصار بلعيد ان هذا التكريم يحمل تقزيما غير مبرر لذكرى اغتياله و تضخيما مبالغ فيه للحدث الذي اشرف عليه رئيس الجمهورية ، و ذلك حسب ما جاء على صفحات التواصل الاجتماعي للعائلة اليسارية عموما و للمنتمين الى الجبهة الشعبية و حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد خصوصا .
فقد قال مراد الحمايدي القيادي بالحزب في هذا الاطار” إن النصب التذكاري هو بمثابة الاساءة لرجل أعطى دماءه في سبيل نجاح مسار الانتقال الديمقراطي، وإنه من غير اللائق القيام بالتدشين في غياب التشاور عن تفاصيل الترتيبات مع العائلة السياسية للشهيد”، مبينا أن التكريم وقع توظيفه لخدمة صورة رئيس الجمهورية سياسيا فقط ، حسب رأيه.
وحمًل الدائرة المحيطة برئيس الجمهورية ضعف الاخراج الفني للنصب التذكاري ، قائلا “لم يكن الهدف منها الاحتفاء بذكرى بلعيد و انما كان الهدف تضخيم انجازات الرئيس” ، مشددا على أن الاهم في المسألة هو الذهاب الى كشف الحقيقة و ليس الاكتفاء بمجرد تدشينات صورية تنحرف بالمضمون الاساسي للقضية .
و بخصوص مسار القضية لم ينف الحمايدي وجود تباين في وجهات النظر بين القائمين بالحق الشخصي وهم عائلة شكري بلعيد وفريق الدفاع الذي كلفه حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، موضحا أن هذا الاختلاف سيكون مصدر اثراء للمرافعات و التأثير الايجابي للقضية من أجل فك شيفراتها الجنائية و السياسية.
من جانبه قال عضو مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي “إن النصب التذكاري هو مهزلة بأتم معنى الكلمة تعيد الى الاذهان تلك الصورة القديمة التي تبحث دائما عن تبجيل المسؤول الاول” ، داعيا رئيس الجمهورية الى الايفاء بوعوده الانتخابية و التي وضع فيها من بين اولوياته الكشف عن الجهة الحقيقية وراء اغتيال شكري بلعيد.
كما أكد أن حصر القضية في الجانب الجنائي سيطمس الحقيقة ، لأن الاغتيال حسب رايه هو اغتيال سياسي بامتياز و جريمة دولة لابد أن تتحمل فيها الاطراف التي كانت في الحكم المسؤولية الكاملة .
واضاف الجيلانى قائلا ” حتى لو وقعت دعوتنا لمراسم التدشين للنصب التذكاري لم نكن لنحضر” ، معللا ذلك بأن الائتلاف الحاكم في عنوانه الرئيسي حركة النهضة و نداء تونس لا يريدان النزول بثقلهما السياسي لاماطة اللثام عن القضية و التسريع في مجرياتها .
من جانب اخر صرًح النائب عن نداء تونس رياض جعيدان، أنه لا يمكن تحميل المسألة أكثر مما تحتمل ، و اعتبر ان الحركة التي قام بها رئيس الجمهورية فيها الكثير من الرمزية و الاحترام لروح بلعيد و لذكراه السياسية، داعيا كل الاطراف الى عدم الدخول في مهاترات و مزايدات لا تضيف لملف القضية، وفق تعبيره .
و قد نزًه جعيدان رئيس الجمهورية من كل قصدية سلبية في نواياه التكريمية ، مشيرا الى أن الخطأ البسيط المتعلق بالنصب لا يعكس التزام رئاسة الجمهورية المبدئي و الاخلاقي تجاه شهداء الوطن مثل شكري بلعيد و محمد البراهمي و شهداء المؤسستين الامنية و العسكرية .
من جهة أرخى، وبما أن الاشكالات المتعلقة بالنصب التذكاري تحمل في جوهرها أكثر من قراءة على مستوى الصورة اتصلت وكالة تونس افريقيا للانباء بالسينمائي و المختص في السيميولوجيا عبد الله الشامخ ، الذي أكد ان صورة النصب تحمل أكثر من دلالة ، أولها انها وضعت اسم رئيس الجمهورية في المقام الاول في الوقت الذي يجب فيه اعطاء الاولوية للشهيد شكري بلعيد ، و ثانيا ان اختيار اللون المذهب لنحت اسم رئيس الجمهورية ينحرف بمضمون التكريم لانه من الناحية الذوقية لا يتم استعماله الا في مقام تدشين منجز اقتصادي او اجتماعي و ليس احياء لذكرى وفاة زعيم وطني.
من جانبه أرجع الباحث في علم الاجتماع المولدي القسومي ترتيب الاولويات في طرح الاسماء على مستوى النحت التذكاري الى ثقافة سياسية كاملة تقوم على الذهنية الرئاسية ، مبينا أن السلطة المركزية في تونس و على امتداد التاريخ دائما تريد احتكار المُنجز الوطني على حساب الاخرين على غرار الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي .
و بين أن رئيس الجمهورية ينتمي فكريا الى تلك الحقبة السياسية التي تُضخم من دور الرئيس و هي ثقافة ” تُسمى بالابوية السياسية التي تحاول فرض اسمها في كل الساحات العامة”، وفق قوله.
جدير بالذكر أن مصادر من رئاسة الجمهورية أكدت لوكالة تونس افريقيا للانباء امتعاض رئيس الجمهورية من شكل النصب التذكاري ، مبينة أن موقفه الشخصي يتماهى مع حالة النقد العام الذي رافقت عملية التدشين .
وبينت نفس المصادر أنه من الممكن تغيير النصب و شكله بما يعطي قيمة أكثر للشهيد شكري بلعيد، و يؤكد التزام رئيس الجمهورية بأحد أكبر قضايا الاغتيال السياسي في الفترة الاخيرة.
وكان محمد جمور، نائب الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (وطد)، أعلن أمس مقاطعة حزبه، حفل تدشين “ساحة شكري بلعيد”، تحت إشراف رئيس الجمهورية، ورفضه لهذا الإجراء كتكريم للشهيد في الذكرى الخامسة لاغتياله.

وقال جمور في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، قبيل التدشين الرسمي، إن حزب الوطنيين الديمقراطيين “لا يرى أنه من المجدي الحضور، كديكور، في عملية تدشين لا ترقى إلى هامة شكري بلعيد والجرح العميق الذي خلفته عملية إغتياله”.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.