اليسار التونسي يطلق جناحيه في اجتماع عام كبير

نجحت جبهة 14 جانفي المتكونة بعد الثورة من جمع من الأحزاب والفصائل اليسارية في امتحانها الجماهيري الأول السبت الماضي بقاعة قصر المؤتمرات في العاصمة إذ استقطبت التظاهرة الآلاف من شباب وكهول , من نساء ورجال جاؤوا يبحثون عن نغمة جديدة للتفاؤل وسط جو عام مشحون يجتاح البلاد هذه الأيام ويفزع حتى أشد المؤمنين بقوة الثورة…



اليسار التونسي يطلق جناحيه في اجتماع عام كبير

 

نجحت جبهة 14 جانفي المتكونة بعد الثورة من جمع من الأحزاب والفصائل اليسارية في امتحانها الجماهيري الأول السبت الماضي بقاعة قصر المؤتمرات في العاصمة  إذ  استقطبت التظاهرة الآلاف من شباب وكهول , من نساء ورجال جاؤوا يبحثون عن نغمة جديدة للتفاؤل وسط جو عام مشحون يجتاح البلاد هذه الأيام ويفزع حتى أشد المؤمنين بقوة الثورة…

وكانت العملية بحد ذاتها تحمل البعض من المجازفة من قبل الجبهة خاصة وأن اليسار التونسي كان دائما الضحية الأولى والأكبر للقمع منذ فجر الاستقلال مع الإسلاميين في السنوات الأخيرة.  ولذلك فلا غرو إن قابلتك فور دخولك ساحة قصر المؤتمرات وجوه أنهكتها سنين النضال أو سنين الهجرة أو سنين الهزيمة المرة وهي تتطلع غير مصدقة ما يحدث لها وحولها , منتبهة إلى الشبان و الشابات الهاتفين بشتى الشعارات والمتغنين بنفس الأغاني التي كانت أغاني النضالات الكبرى القديمة…

 
"الشعب يريد نظام برلماني " و "باسم العامل والفلاح سنواصل الكفاح " وحتى "الشعب يريد إسقاط الحكومة" و"لا لا لحكومة الغنوشي " الشعارات عديدة والهاتفون كثر والأصوات ضاجة …القاعة كانت مشتعلة الحرارة ولكنها كانت أقرب إلى الساحات الجامعية التي خبرها اليسار التونسي منها إلى الاجتماعات الحزبية السياسية الكلاسيكية  … وهذا عادي في الواقع بالنسبة لشريحة سياسية ولدت وترعرعت وكبرت وانفجرت دائما بتعبيرات استثنائية إما بالجامعات أو أثناء المواجهات مع البوليس أو في الشارع .

هذا هو اليسار التونسي بكل أطيافه . بمناضليه الماركسيين الذين قضوا عمرا يحلمون بالتحام الطالب والعامل والفلاح ولا يصدقون بعد أنفسهم أمام السيل اليومي من أخبار الإعتصامات والاحتجاجات والإضرابات , بمناضليه القوميين يحرقهم ربما حنين اليوم إلى ميدان التحرير صبيحة اليوم الأول لرحيل الفرعون المصري…هذا هو اليسار التونسي بمثقفيه المنفيين حتى وإن عادوا إلى الوطن لأن نفيهم كان ولا يزال إلى الآن نفي لتعبيراتهم ولذواتهم التي قمعت السنين الطوال…

وتداول على المنصة الفنانون والسياسيون. هكذا هو اليسار ينازع الكلمة الثائرة فيؤثر الصغير أولاد أحمد على حمة الهمامي , وهذا تراث أيضا… أخذ الكلمة الوطنيون الديمقراطيون بكل ألوانهم والقوميون بفصائلهم والتيارات الاشتراكية والماركسية الأخرى. وتداول زعماء الجبهة أو ممثلي تياراتها وركزوا بالخصوص على نقاط إجماع الجبهة المعارضة والرافضة لحكومة الغنوشي والداعية بصرامة إلى انعقاد مؤتمر لحماية الثورة والى الانتصار كليا لنضالات العمال الاجتماعية التي تزخر بها الساحة اليوم مع مواصلة الحذر والحيطة لضرب كل محاولات "جيوب الثورة المضادة" على كل المستويات.

رغم هذا النجاح بمعناه الجماهيري فإن هذا الاجتماع الشعبي الأول لليسار التونسي يترك انطباعات أخرى تبحث عن إجابات لاشك ستأتي. فكيف السبيل إلى تحويل هذا الإجماع الجماهيري (والهيكلي في إطار الجبهة حاليا) والمتماسك بزخم الثورة إلى برنامج سياسي للفترة المقبلة في مواجهة البرنامج النهضوي أو غيره من البرامج التي ستظهر والتي قد تنازع حتى المنطلقات الفكرية للجبهة؟ وماهي الأرضية الدنيا التي يمكن أن تلتقي حولها مكونات الجبهة في المجالات السياسية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية والثقافية وغيرها؟

اليسار التونسي اليوم وعد بآمال ناضلت من أجلها الأجيال فكيف سيترجمه السياسيون ؟ و قد حان فعلا اليوم المرور من انفعالات الحمى الثورية إلى وصفات العمل السياسي الحقيقية والتي قد لا تتفق دائما مع أفق النقاوة الثورية الخالصة والمطلقة لأن السياسة كما هو معروف ليست سوى فن الممكن. ولكن اليسار التونسي وهو وريث أيضا لثورة 1968 يمكن أن يرفع شعارها العظيم : "فلنكن واقعيين ونطلب المستحيل" 

علي العيدي بن منصور

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.