أي ثمن ستدفعه الدولة في تونس مقابل منع المناولة نهائيا؟

أدى الضغط الكبير الذي مارسته النقابات العمالية مباشرة بعد الثورة بالحكومة إلى إصدار أوامر للتخلي نهائيا عن اللجوء للمناولة في الوظيفة والمؤسسات العمومية مع العمل على إدماج كافة العملة من حراس وعمال تنظيف وغيرهم في صلب …



أي ثمن ستدفعه الدولة في تونس مقابل منع المناولة نهائيا؟

 

أدى الضغط الكبير الذي مارسته النقابات العمالية مباشرة بعد الثورة بالحكومة إلى إصدار أوامر للتخلي نهائيا عن اللجوء للمناولة في الوظيفة والمؤسسات العمومية مع العمل على إدماج كافة العملة من حراس وعمال تنظيف وغيرهم في صلب الوظيفة وفي المؤسسات المستفيدة , هذا وسوف يقع العمل تدريجيا بهذا الإجراء حتى في القطاع الخاص الذي يلجأ من جهته للمناولة في بعض الأحيان…

وللوقوف على خبايا ونتائج مثل هذا القرار التقت المصدر السيد بوراوي بوراوي وهو صاحب مؤسسة مناولة وأمين مال الغرفة الوطنية لمؤسسات الحراسة التابعة لاتحاد الصناعة والتجارة , هذا بعد أن كنا نشرنا عديد المرات وجهة نظر الطرف النقابي في الموضوع. وقد طلبنا من السيد بوراوي بوراوي بالخصوص تفسير كلفة المناولة وكلفة منعها في المستقبل …

يشير السيد بوراوي إلى أن ما وقع في تونس في مجال استبعاد اللجوء للمناولة نهائيا كان قرارا متسرعا وغير مدروس العواقب. ذلك أن هذه الأنشطة أصبحت معروفة ومقننة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك في الصين الشيوعية –

 

الرأسمالية حاليا. كما أن أكبر شركات المناولة في الحراسة والتنظيف في العالم حاليا  هي شركات اسكندنافية مثل Securitas  أو G4  وهما شركتان متواجدتان في أكثر من بلد وأكثر من قارة… والسر في هذا الانتشار لا يكمن إلا في جدوى مثل هذه المؤسسات للنسيج الاقتصادي الذي تعمل فيه وإلا فإنها لا يمكن أن تترك لولم تكن ذات منفعة اقتصادية ..وهي بالطبع محكومة بقوانين وتشرف عليها النقابات وهيئات الرقابة المختلفة حسب قوانين كل بلد..

ويضيف محدثنا أن المناولة تهم أطرافا ثلاثة هي الشركة المستفيدة والمؤسسة المسدية للخدمة والعامل وان قرار المنع الأخير في الوظيفة والمؤسسات العمومية لم يأخذ  بعين الاعتبار لا المؤسسات المستفيدة ولا مسدية الخدمة بالطبع مكتفيا بطريقة ديماغوجية بالحديث عن حيف اجتماعي كان يطال العمال , مشيرا إلى أن تواجد بعض التجاوزات من مؤسسات التنظيف والحراسة لا يعني بالضرورة أن كل مؤسسات القطاع هي على هذه الشاكلة.

ويذكر السيد بوراوي بوراوي أن النعوت التي استعملها بعض النقابيين من شاكلة السماسرة ومصاصي الدماء وغيرها يمكن أن توصف بالثلب الذي يقع تحت طائلة القانون…وفي رده عن سؤالنا المتعلق بتضخم فاتورة عون الحراسة مثلا التي تصل إلى حوالي ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه الحارس (جرى الحديث عن فاتورة ب800 دينار شهريا تدفعها المؤسسة مقابل أجر لا يتجاوز 250 دينارا للحارس في أحسن الأحوال) بين السيد بوراوي بوراوي أن المسألة ليست بهذه البساطة وإلا لأصبح القطاع أكثر القطاعات التي تدر الأرباح. ويفسر السيد بوراوي أن الدولة في الواقع تتسلم أكثر من نصف الفاتورة في شكل أداءات كالتالي:

 

  1. الأداء على القيمة المضافة: 18 بالمائة
  2.  

  3. تحويلات الصناديق الاجتماعية: 25,75  بالمائة
  4.  

  5. الأداء على التكوين المهني: 1 بالمائة
  6.  

  7. الأداء على الكراءات : 0,25 بالمائة (على رقم المعاملات )
  8.  

  9. الخصم من المورد : ما معدله بين 5 و 7 بالمائة
  10.  

هذه النسب العالية تفسر ما يجعل الفاتورة متضخمة إذا ما احتسبنا بعدئذ كلفة الحارس من حيث تأطيره وملبسه ومراقبته وتكوينه في بعض الأحيان وغير ذلك …

وبالتالي يواصل أمين مال الغرفة الوطنية لمؤسسات الحراسة حديثه متابعا تفسير ما سيترتب عن الإلغاء الكامل للحراسة والتنظيف في القطاع العمومي مشيرا إلى أن الإدارات و المؤسسات العمومية وشبه العمومية ستقع بادئ ذي بدأ في مشكلة قانونية تتعلق بساعات العمل فقانون الوظيفة العمومية يمنع العمل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع والاتفاقية المشتركة للحراسة (ولها مفعول القانون ما لم تنقح) تكفل 60 ساعة أسبوعيا, والمؤسسة أمام خيارات صعبة مابين تطبيق قانون الوظيفة العمومية وهو ما سيطلبه الحراس وبالتالي زيادة عدد كبير من الحراس للعمل في التغطية اليومية التي تتطلب الآن عمل عونين (2*12 ساعة ) وتصبح متطلبة عمل ثلاثة حراس (3*8) . وهذا ممكن طبعا ولكن مسألة الكلفة ستطرح فورا…

هذا بالنسبة للحراس ويوضح مخاطبنا أن المسألة تصبح أكثر تعقيدا إذا ما طرحنا توقيت العمل لعاملات وعاملي النظافة. فعادة لا يتجاوز "الدوام " لعاملي النظافة ساعتين أو ثلاثة ساعات يومية في أقصى الحالات , فالمنظفة تأتي ساعة أو أكثر بقليل قبل مجيء الموظفين ويجب أن تغادر بسرعة بعد بدأ العمل الإداري عدا منظفة واحدة للحالات الطارئة, وبعد أن يقع إدماج كل المنظفات في الوظيفة العمومية كيف نوفق بين واقع حاجة المؤسسة وبين حقوق العمال القانونية وبين المردودية الاقتصادية؟ هل سنرى إدارات عمومية تدفع أجر 40 ساعة عمل لمنظفات لا يمكن ماديا أن يعملن أكثر من 3 ساعات ؟

ومن جهة أخرى يلفت السيد بوراوي النظر إلى أن الدولة قانونيا ومثل ما "ناضل " من أجل ذلك النقابيون سوف تدفع الأجور على قاعدة الأجر الأدنى المضمون لأربعين ساعة عمل لأي عامل وبالتالي فالمؤسسات مدعوة إلى دفع أجر 40 ساعة لكل العمال الذين سيقع دمجهم أيا كان عدد ساعات عماهم وأيا كانت المردودية … هذه المردودية التي من المعروف أنها تتطلب آليات مرتقبة صارمة لا توفرها طرق العمل في القطاع العمومي والتي لا يوفرها إلا القطاع الخاص وهذا ما جعل المؤسسات جميعا تميل إلى حل المناولة لعدم قدرتها على تأطير عملتها جميعا…

يشير محدثنا هنا وعلى ذكر المؤسسات أن المؤسسات العمومية وشبه العمومية التي تعمل مع قطاع المناولة منها مؤسسات عديدة في قطاعات تنافسية مثل البنوك العمومية أو شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي أو شركات البترول وغيرها وهذه المؤسسات سوف تجد أن قدرتها التنافسية أقل بكثير من مثيلاتها الأخرى غير العمومية التونسية والأجنبية وهو ما يترجم بسرعة بفقدان نصيب من السوق بالطبع…

هذا في ما يخص الوضعية العامة للمؤسسات المستفيدة من المناولة والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن العملة الملحقين بها سوف يطالبون شرعيا بالتمتع بنفس المنح والحوافز التي يتمتع بهل أعوان تلك المؤسسات وقد بدأت هذه " النغمة " تظهر مثلا في شركة الستاغ التي يطالب حراسها ومنظفوها الآن بمجانية الكهرباء وهذا معقول من وجهة نظرهم بالطبع …

أما بخصوص المؤسسات التي كانت تشتغل في المناولة فإن عددها يناهز 300 مؤسسة حسب ما يفيد به السيد بوراوي بوراوي وأن القطاع كان يشغل ما لا يقل عن 150 ألف عامل وعاملة إضافة إلى حوالي 10000 موظف للتأطير . وقد اتسم قرار التخلي عن نظام المناولة بالتسرع لأنه لم يعتبر إلا وجهة النظر النقابية وذهب مباشرة إلى الحل الأقصى متناسيا معطيات متعددة سوف تجد السلطة العمومية نفسها في ورطة كبرى بخصوص حلها. ذلك أن إغلاق هذا العدد من المؤسسات سوف يؤثر سلبا على البنوك التي تدين لها بالقروض وشركات الإيجار المالي التي تشتري عن طريقها معدات النقل وغيرها من الآليات أو أجهزة الإعلامية , كما أن هذه المؤسسات مثل جل المؤسسات لها متخلدات بالذمة لدى الصناديق الاجتماعية لن تقوى على خلاصها إذا ما أغلقت أبوابها نهائيا؟؟؟

وهنا يتساءل السيد بوراوي بوراوي عن السبب الذي منع السلط العمومية من إعلان فترة انتقالية تدوم مدة معينة (moratoire ) لتسوية الوضع في القطاع وتدارس كل جوانبه مثل إدماج 10 آلاف إطار الذين يعملون اليوم في تأطير الأعوان في شركات المناولة ومثل صيغ تكفل عادلة بين ساعات العمل ونوعيته…ويشير محدثنا  في هذا الصدد أن النقابات العمالية العالمية في هذا القطاع لا تطالب البتة بمنعه بل تسعى في كل دول العالم إلى تنظيمه وتقنينه خدمة للعامل وللمؤسسات في نفس الوقت.

حاوره علي العيدي بن منصور 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.