تونس ــ فازت النهضة فما مرد فوزها الساحق

كان فوز النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي منتظرا لدى منتسبيها ومعارضيها والمراقبين المحايدين ولعل المفاجأة أو شبه المفاجأة تمثلت في فوزها الساحق فما مرد هذا الفوز الكاسح



تونس ـ فازت النهضة فما مرد فوزها الساحق

 

كان فوز النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي منتظرا لدى منتسبيها ومعارضيها والمراقبين المحايدين ولعل المفاجأة أو شبه المفاجأة تمثلت في فوزها الساحق فما مرد هذا الفوز الكاسح؟
يمكن حصر الإجابة ــ منهجيا ــ في ثلاثة محاور كبرى وهي الهوية مع الاعتدال والخبرة السياسية وضعف الخصوم
الهوية مع الاعتدال

لا ينكر أحد تفتح التونسي وميله إلى الحداثة لكن الهوية العربية الإسلامية تظل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.

وقد ظهرت حركة النهضة في هذا المجال في ثوب المدافع عن الهوية دون أن تسقط في التشدد ولا في معاداة الحداثة.

فعلى المستوى النظري شددت في خطابها منذ مطلع السنة الحالية على نبذها التشدد والحكم الشمولي (الإسلاموي) على الطريقة الإيرانية وأكدت تأثرها بتجربة الحكومة التركية الحالية حيث الموازنة بين الهوية وبين الحداثة.

ثم أتيحت للتونسيين فرصة اختبار هذا التوجه النظري ففازت النهضة في مناسبتين على الأقل على المستوى التطبيقي.

كانت الفرصة الأولى بعد عرض الفيلم التونسي "لا ربي لا سيدي" ففيما تورط المتشددون (المحسوبون على حزب التحرير) في أعمال العنف، لاحت حركة النهضة رصينة متعقلة وهي تندد بالفيلم وتدعو في الآن ذاته إلى عدم الرد على الإساءة بالإساءة.

ثم كانت الفرصة الثانية بعد عرض الفيلم الإيراني المثير للجدل على قناة نسمة الفضائية إذ وقفت في خط الوسط بين بعض العلمانيين الذين دافعوا بشراسة عن حرية التعبير وبين المتشددين الذين حاولوا رد الفعل بالحرق والتعنيف.

في هذه وتلك حاولت النهضة الظهور كخير ممثل لأغلبية الشعب التونسي. لكنها استفادت أيضا من النظام السابق الذي كان يبدو معاديا للإسلام (منع الحجاب وإغلاق المساجد…). فقد استثمرت ذلك الشعور بالظلم والقمع استثمارا جيدا بالتركيز على السماح للتونسي بالحرية التامة في ممارسة حياته اليومية دون أن يفرض عليه أحد لباسا معينا ولا سلوكا معينا ليبقى القانون الوضعي وليس الشريعة الإسلامية الفيصل بين جميع المواطنين.

وبالإضافة إلى هذا كله طمأنت التونسيين (على الأقل الأغلبية الساحقة منهم) بعدم الخوض في مسألة تعدد الزوجات وعدم الحد من المكاسب التي تحققت للمرأة منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية.

الخبرة السياسية

تأسست حركة النهضة سنة 1972 وأعلنت عن وجودها سنة 1981 دون أن يتم الاعتراف بها قانونيا قبل مطلع السنة الجارية لكنها ظهرت خلال الحملة الانتخابية الحالية وقبلها على درجة عالية من الاحتراف السياسي.

فالمتابع لنشاطها يلاحظ بسهولة كبيرة دقتها العالية في التنظيم وانضباط أعضائها في تصريحاتهم الرسمية وغير الرسمية وتناغمهم فيما بينهم لهذا لم نلاحظ ازدواجية في الخطاب السياسي حتى في أبسط المواضيع ولم نجد عضوا يحرج آخر أو يسيء إلى الحركة.

ولعل السبب في هذا يعود إلى استفادة أعضاء النهضة من طول إقامتهم في أوروبا وخاصة في بريطانيا وقربهم بالتالي من أهم التجارب السياسية وأعرق الديمقراطيات في العالم.

كما أن الحركة تخلت عن مواليها الذين لا يتناغمون مع البقية أو على الأقل دفعتهم إلى التخلي عنها فكانت الرابح وكانوا الخاسرين.

ومن تجليات الخبرة السياسية أيضا أن النهضة حققت لنفسها موارد مالية ضخمة (لن نخوض في مدى مشروعيتها لأن الموضوع لا يهم مجالنا) المهم أن حركة النهضة استفادت من قوتها المالية والأهم من هذا أن خبرتها السياسية ساعدتها على حسن التصرف في تلك الأموال ولهذا نجحت حيث فشلت أحزاب أخرى رغم أموالها الطائلة.

ضعف الأحزاب المنافسة

لا نقصد بالضعف التشكيك في أهلية بقية الأحزاب ولا في نضال بعضها ولا في برامجها الانتخابية ولا انتمائها الإيديولوجي وإنما ضعفها من حيث الكتلة الحزبية.

فالأحزاب في أغلب التجارب الديمقراطية الغربية تنقسم إلى قسمين واضحين هما اليمين واليسار وكل قسم يضم الفروع التي تتناغم معه فنجد الأحزاب الشيوعية والاشتراكية مثلا في مواجهة اليمين المعتدل واليمين المتطرف بغض النظر عن اختلاف تسمياتها.

أما في تونس حيث التجربة الديمقراطية الفتية فقد وجدنا الأحزاب اليسارية والقومية والإسلامية والوطنية (نقصد بها تلك الأحزاب التي تأسست حديثا وركزت على وطنيتها وحاولت المزج بين هذا وذاك دون أن تحسب نفسها على تيار معين)

في هذا الخضم لاحت النهضة قطبا سياسيا منظما وقويا دون أن تحتاج إلى أحزاب أخرى ذات توجه إسلامي فيما تشرذم القوميون بين ناصريين ووحدويين وبعثيين…. وتباعد اليساريون عن بعضهم البعض فسلك كل واحد طريقا خاصا به وتشتت أصوات مواليهم.

كان التفوق في هذه المسألة واضحا لصالح النهضة وقد كان بإمكان منافسيها أن يعوا هذا التفوق وأن يقاوموه عبر تشكيل تحالفات قوية يتم فيها التضحية ببعض التفاصيل الصغيرة من حيث البرامج والأهداف.

الآن حصّل ما في الصدور وما على الجميع غير استخلاص العبرة لتفادي الأخطاء فالاستعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة يبدأ من اليوم.

                                                  

عادل العبيدي  

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.