تونس- حكومة الباجي المستقيلة وراء أزمة الفسفاط؟

يمضي عشرات من أبناء الحوض المنجمي للأسبوع الرابع على التوالي لياليهم في العراء والبرد القارس، معتصمين أمام مقرّ المجلس الوطني التأسيسي بباردو احتجاجا على قرارات حكومة الباجي المستقيلة، والمطالبة بتوظيفهم بشركة فسفاط قفصة…



تونس- حكومة الباجي المستقيلة وراء أزمة الفسفاط؟

 

يمضي عشرات من أبناء الحوض المنجمي للأسبوع الرابع على التوالي لياليهم في العراء والبرد القارس، معتصمين أمام مقرّ المجلس الوطني التأسيسي بباردو احتجاجا على قرارات حكومة الباجي المستقيلة، والمطالبة بتوظيفهم بشركة فسفاط قفصة.

 

ومن بين هؤلاء المعطلين كهول فاق سنهم الخمسون عاما وشباب لا يتجاوز الثلاثينات من عمره، كلهم تركوا وراءهم أهلهم بأقصى الجنوب، للمطالبة بمواطن شغل تضمن لهم العيش الكريم.

 

مكرم النوري، شاب يبلغ عمره 28 عاما لم يتحصل على الباكالوريا، وانقطع عن التعليم بسبب ظروفه المادية الصعبة، كان متواجدا بين المعتصمين الذين ينادون بإدماجهم بشركة فسفاط قفصة.

 

ويقول للمصدر إنه أمضى 12 عاما في البطالة وأنه ينتمي إلى عائلة متكونة من 13 فردا، يأويهم منزل ضيّق ويتقاسمون الخبز والماء من جراية تقاعد أبيهم الطاعن في السن.

 

ويحلم مكرم بالظفر بعمل بوحدة استخراج الفسفاط بالمظيلة حيث يقطن، لكنّ حكومة الباجي المستقيلة خيبت أمله بسبب ما اعتبره "تجاوزا مقصودا" في نتائج مناظرة الانتداب بشركة فسفاط قفصة.

 

ويقول "نتائج المناظرة السابقة هي مهزلة.. لم يقع احترام أية مقاييس..".

 

ووضعت وزارة التشغيل والتكوين المهني، التي تكفلت بإجراء المناظرة على الملفات، عدّة مقاييس من بينها إقصاء المترشحين الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما، وعدم ترشيح أكثر من فرد عن كل عائلة، وعدم قبول الطلبة والموظفين…

 

لكن مكرم وعدد من المعطلين من أبناء الحوض المنجمي أكدوا للمصدر بأنّ المناظرة شابتها تجاوزات مقصودة لمحاولة إرباك الأوضاع بالجنوب، وفق قولهم.

 

ويقول مكرم "عند الإعلان عن نتائج المناظرة تبين وجود عدة تجاوزات، إذ لم يقع انتداب الكثير من المعطلين الذين ينتمون إلى عائلات وفيرة العدد ولا يشتغل فيهم أحد…".

 

ويضيف "وقع انتداب أشخاص يتمتعون بوظائف أخرى نتيجة عدم التثبت من رمز الضمان الاجتماعي.. وتمّ قبول شبان لا يتجاوز أعمارهم 20 عاما كما تنص شروط المناظرة…".

 

ويتابع "كانت هناك نية مبيتة من قبل الحكومة السابقة وراء الإعلان عن نتائج المناظرة بهذه الطريقة لإحداث البلبلة". ويوافقه في هذا الرأي جمال عيساوي (56 عاما) وهو أب لطفلين وعاطل من سنوات.

 

ويقول للمصدر "كان من المفروض التثبت في نتائج المناظرة قبل الإعلان عنها بتلك الطريقة السيئة.. لقد كانت النتائج مخيبة للآمال ومقصودة لافتعال ردود فعل غاضبة".

 

وشهدت قفصة أعمال عنف خطيرة بعد الإعلان عن نتائج المناظرة بجهتي المظيلة وأم العرائس يوم 23 نوفمبر الماضي (وهو يوم استقالة حكومة الباجي) بعدما تبيّن وجود وفساد ومحسوبية بعملية الانتدابات.

 

وتعرضت العديد من المستودعات والمعدات التابعة لشركة فسفاط قفصة إلى التخريب والحرق، مما دفع بالسلطات في الأيام الماضية إلى فرض حظر تجوّل مؤقت بالولاية التي تضمّ أعلى نسبة من العاطلين.

 

وتأثر قطاع الفسفاط بشكل كارثي بسبب الاعتصامات التي طالت وحدات استخراج الفسفاط بقفصة ووحدات تحويله بقابس وصفاقس والصخيرة، مما جعل مسؤولي الشركة يدقون ناقوس الخطر.

 

وعقد عشية الثلاثاء قيس الدالي مدير عام شركة فسفاط قفصة (في الصورة) مؤتمرا صحفيا هو الثاني على التوالي في وقت وجيز هذا الشهر للتحسيس بخطورة الأوضاع التي تعصف بشركة الفسفاط والمصنع الكيميائي.

 

واعتبر أنّ الاعتصامات التي انطلقت منذ فيفري الماضي وارتفعت حدتها بشكل كبير بعد الإعلان عن نتائج المناظرة في 23 نوفمبر الماضي تسببت في تراجع مرابيح الشركة وعدم ايفائها بالتزاماتها أمام حرفائها الدوليين.

 

وأشار إلى أنّ بعض البلدان مثل تركيا، أول مستورد للأسمدة الفسفاطية من تونس، أصبحت تبحث عن مزودين جدد بسبب الإضطراب الحاصل في عملية التصدير من تونس نتيجة الاعتصامات.

 

ويقول الدالي إنه لو لا المخزون الاستراتيجي من الفسفاط لعام 2011 الذي يبلغ مليون طن من الفسفاط لما أمكن تصدير بعض الكميات التي التزمت بها تونس مع أهم حرفائها (أوروبا، الهند، تركيا).

 

وكشف بأنّ مرابيح شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي ستتراجع هذا العام إلى 200 مليون دينار، بينما بلغت العام الماضي إلى حدود 825 مليون دينار (بتراجع قدره 625 م.د).

 

وقال مدير عام شركة فسفاط قفصة إنّ الأرباح كان ينتظر أن تصل إلى 1000 مليون دينار، بالنظر إلى ارتفاع أسعار الفسفاط في الأسواق العالمية هذا العام مقارنة بالعام الماضي.

 

وألقى الدالي باللوم على حكومة الباجي المستقيلة بسبب تمسكها بإعلان نتائج مناظرة الانتداب بشركة الفسفاط دون التدقيق فيها، ناقلا للصحفيين ما قاله حرفيا للباجي "مصانع مغلقة أفضل من مصانع محروقة"، في إشارة إلى مخاوفه من أن يفرز الإعلان عن نتائج المناظرة بصفة متسرعة في ردود فعل عنيفة.

 

وأفاد مدير عام شركة فسفاط قفصة أنّ وزارة التشغيل والتكوين المهني هي من تمسكت بإعلان نتائج المناظرة الأولوية والجزئية، معترفا بوجود عدّة أخطاء وتجاوزات لم تحترم المقاييس التي وضعت للانتداب العاملين.

 

وأطلقت شركة فسفاط قفصة مناظرة لانتداب 3000 عون، فيما أطلق المجمع الكيميائي التونسي مناظرة لانتداب 1600 عامل، بينما يؤكد قيس الدالي أنّ هناك 16 ألف مطلب عمل تمّ التقدم به إلى الشركتين.

 

وكشف الدالي بأنّه اجتمع مع وزير الصناعة الجديد محمد أمين الشخاري، وأنه سيجتمع الأسبوع المقبل مع رئيس الحكومة حمادي الجبالي لابحث عن مخرج للأزمة.

 

ويقول إنّ شركة فسفاط قفصة تسعى إلى لعب دور محوري في دفع التشغيل وإعادة التنمية من خلال إطلاق عمليات انتدابات مباشرة وخلق شركات في مجال البيئة لانتداب أعوان بأجور عادية لا تظاهي أجور عمال الفسفاط العالية وخلق شركات متخصصة لنقل البضائع وشركات صيانة، إضافة إلى تخصيص نسب من المرابيح للتنمية الجهوية.

 

وأضاف إنّ هناك توجه لتشخيص المشاريع والقيام بدراسات جدوى سيتم عرضها على مصادقة الحكومة لإطلاق تلك المشاريع باعتبار أن شركة فسفاط قفصة هي شركة عمومية.

 

كما كشف الدالي عن مجموعة من المشاريع المستقبلية للشركة تتمثل في إنشاء مصنع اسمنت بقفصة تمّ الغعلان عنه منذ عام 2008، وبعث بنك تنموي لتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة بالجهة.

 

خميس بن بريك

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.