الحقيقة تغيب عن التونسيين وسط صراعات إيديولوجية معقدة

يفتح عشرات آلاف المواطنين التونسيين هذه الأيام أفواههم حيرة واستغرابا دون أن يقدروا على فك طلاسم ما يحدث في بلدهم الذي اعتقدوا ذات يوم أنه تجاوز مرحلة الصراعات نحو برّ الاستقرار ووضوح الرؤى…



الحقيقة تغيب عن التونسيين وسط صراعات إيديولوجية معقدة

 

يفتح عشرات آلاف المواطنين التونسيين هذه الأيام أفواههم حيرة واستغرابا دون أن يقدروا على فك طلاسم ما يحدث في بلدهم الذي اعتقدوا ذات يوم أنه تجاوز مرحلة الصراعات نحو برّ الاستقرار ووضوح الرؤى.

 

المواطن البسيط سئم على امتداد العام الماضي صراعات سياسية إيديولوجية يمينية يسارية لم تلتفت يوما إلى معاناته الحقيقية من الفقر والخصاصة ومن التهاب الأسعار ومن غياب الأمن ومن فقدان المواد المعيشية.

 

أكثر من تونسي قالها بأعلى صوته منذ جانفي الماضي وإلى حد الأيام الأخيرة كفانا  "تكسير الرؤوس" بالكلام الصاخب كل ليلة وكل يوم على التلفزات والإذاعات والجرائد.. كفانا أحداثا لا نفهم من خلفياتها شيئا ولا نعرف نوايا ومقاصد أصحابها إن كانوا "معانا أم مع الآخرين" ونجهل إلى أين يريدون الوصول بنا بالضبط.. نريد إلى جانبه أيضا  كلاما عن "خبزتنا " وعن ملبسنا وعن الأسعار التي التهبت وعن تشغيل أبنائنا العاطلين.

 

ويسأل المواطن في حيرة مثلا: لماذا يعتصم طلبة في كلية منوبة؟ ولماذا يمنع عميد الكلية الطالبة المنقبة من الدخول للكلية؟ ولماذا يحتج أساتذة وطلبة أمام الوزارة؟ هل صحيح أنهم حاولوا اقتحام مكتب الوزير وتعنيفه؟ هل صحيح أن الأمن والجيش منعهم بالقوة؟

 

هل كان على الأمن والجيش أن لا يتصرف بتلك الطريقة؟ لماذا لا يتم من الأول فك اعتصام الطلبة بالقوة وإعادة الدروس إلى سالف نشاطها بالكلية؟ لماذا كل هذا؟ ومن يقف وراءه وهل صحيح أنها كلها أمور مدبرة ومخطط لها مسبقا؟

 

يسأل المواطن في حيرة والمهم بالنسبة إليه هو مصير ابنه الطالب بالكلية الذي بات مهددا، ومصير عائلته التي باتت مهددة في ظل تواصل التوتر الأمني بالبلاد.

 

أكثر من ذلك يسأل المواطن البسيط  باستغراب ..هل صحيح انه توجد إمارة سلفية متشددة  في سجنان تحكم بأحكامها هناك؟ لماذا كذب مواطنو سجنان الحكاية؟ هل أن الصحافة تكذب فعلا؟ ماذا سيضيف وجود إمارة سلفية من عدمه لقفتي ولجيبي ولمعيشتي؟ هل ستنخفض جراء ذلك أسعار اللحم والبيض والحليب والياغرت..؟

 

ينظر المواطن البسيط في دهشة  إلى الاعتصامات والاحتجاجات التي تكاثرت في المدة الأخيرة ويتردد في داخله ذلك السؤال الأزلي البسيط " لماذا يفعلون ذلك؟".

 

لا يخطر ببال المواطن البسيط أن أطرافا منظمة قد تكون وراء تلك الاحتجاجات والاعتصامات، والمهم بالنسبة إليه أنه لم يجد الغاز في المتجر ولم يعثر على الحليب وعلى السكر وعلى الخبز لإطعام عائلته.

 

ما يهم المواطن من صراعات ايديولوجية وصخب وحديث هنا وهناك يراه كل ليلة وكل يوم على قنوات نسمة وحنبعل والوطنية والتونسية وعلى صحف المغرب والشروق والصباح والصريح والمحرر والفجر …

 

لا أحد منهم في رأيه يكشف له عن حقيقة ما يحصل وحتى لو حاولوا إفهامه أن هذا الأمر من تدبير اليمين وذاك من تدبير اليسار وأن ما حصل خطط له المعتدلون وأن ما جرى هندسه العلمانيون فإنه قد لا يفهم وقد لن يحاول أن يفهم وإن فهم فلن يهتم بالأمر كثيرا ما لم تتحقق بعض مطالبه الاجتماعية ذات العلاقة بمعيشته.

 

ففي رأيه الكل يحاول الدفاع عن وجهة نظر معينة ولا أحد حاول الدفاع عن وجهة نظر المواطن البسيط المتلهف للخبز وللحليب وللشغل وللمسكن اللائق ولقضاء شؤونه في أسرع وقت.

 

كلهم في رأيه بائعي  كلام لا غير، كلهم بصدد تصفية حسابات شخصية فيما بينهم لا غير، كلهم متشبثون بذلك الكرسي المشؤوم، مصدر كل الصراعات الأزلية على مر العصور، وكأنهم في رأيه لم يسمعوا يوما بمقولة "لو دامت لغيرك لما آلت إليك"، كلهم لا تهمهم في رأيه مصلحة الوطن في شيء، والمهم بالنسبة إليهم هو البروز الإعلامي ولو على حساب شان المواطن.

 

في خضم كل هذه الصراعات الإيديولوجية غابت الحقيقة عن المواطن البسيط وغابت مصلحته عن الاهتمامات  والخوف كل الخوف أن تنساق السلطة وراء هذه الصراعات فتُغيب الشأن الاجتماعي للمواطن وتهتم فقط بالشأن السياسي.

 

وليد بلهادي 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.