حكومات الغنوشي والسبسي والجبالي لم تقدر على تسوية ملف تعويض شهداء وجرحى الثورة… لماذا؟

من المواضيع والملفات الحارقة في تونس هو بالتأكيد المتصل بمعالجة شهداء وجرحى الثورة الذي لا يزال عالقا ولم يسجل بشأنه تقدم ملموس وفعلي باتجاه غلق الملف من جانب التعويض المادي ومداواة عشرات الجرحى…



حكومات الغنوشي والسبسي والجبالي لم تقدر على تسوية ملف تعويض شهداء وجرحى الثورة… لماذا؟

 

من المواضيع والملفات الحارقة في تونس هو بالتأكيد المتصل بمعالجة شهداء وجرحى الثورة الذي لا يزال عالقا ولم يسجل بشأنه تقدم ملموس وفعلي باتجاه غلق الملف من جانب التعويض المادي ومداواة عشرات الجرحى.

ويحيلنا مشهد تجمع عائلات الشهداء والجرحى أمام مقر الحكومة بالقصبة وفي العديد من مراكز الولايات وحضورهم باستمرار وفي كل المناسبات للمطالبة بتسوية الوضعية العالقة إلى حقيقة ثابتة وهي أن الحكومات السابقة والحالية لا تزال عاجزة عن إيجاد حل جذري لتعويض شهداء وجرحى الثورة وغلق الملف نهائيا.

ولئن أجمعنا واتفقنا بأن ملف محاسبة قتلة شهداء الثورة لم يقع الحسم فيه وأن القضية التي تعهّد بها القضاء العسكري مرشحة لأن تطول للكشف عن هوية القتلة وحقيقة القناصة، فإن مسألة التعويض المادي والإسراع باتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الجرحى لم يقع الحسم فيه ولم يجن أهالي الشهداء والجرحى سوى الوعود بتكرار كلمات من المسؤولين سرعان ما تحولت إلى شعارات مثل: "ستعمل على… سنقوم ب… قريبا سيقع الإعلان عن…" وغيرها من الكلمات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ما يمكن التأكيد عليه أن قضية التعويض للشهداء وجرحى الثورة أضحت مطية للعديد من الأحزاب ومكونات المجتمع المدني وورقة انتخابية في العديد من الاجتماعات العامة خلال الحملة الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي واستعمال العديد من الشعارات والوعود التي سرعان ما تحولت إلى مُخدّر.

 

خلال فترة مسك محمد الغنوشي لمقاليد الحكومة مباشرة بعد فرار الرئيس السابق، أعلن أنه سيقع التعويض للشهداء والجرحى وبالفعل تمّ صرف مبلغ 20 ألف دينار لعائلات الشهداء و3 آلاف دينار للجرحى كتسبقة أولى على أن يتم صرف المنحة المالية من دون اتخاذ التدابير والإجراءات العملية لمداواة الجرحى على نفقة الدولة.

وفي الفترة التي تولى خلالها الباجي القائد السبسي للحكومة المؤقتة والتي دامت أكثر من 10 أشهر كثرت الوعود للمعالجة الجذرية لتعويض الشهداء والجرحى
إلى حين الإعلان في شهر سبتمبر 2011 عن ترسانة من الإجراءات والقرارات منها صرف الجزء الثاني من مبلغ التعويض والمداواة مجانا وعلى نفقة الدولة في المستشفى العسكري بتونس العاصمة وكجانية التنقل والأولوية في التشغيل وغيرها من التدابير الأخرى مثل إحداث دار الشهيد وإنجاز متحف للغرض وإنجاز نصب تذكاري.

غير أن هذه الإجراءات ظلّت حبرا على ورق ولم يقع تجسيمها على أرض الواقع بدليل أن إدارة المستشفى العسكري رفضت ولا تزال ترفض إلى حد الآن معالجة الجرحى بتعلة التدابير الإدارية.

أمّا بالنسبة إلى حكومة حمادي الجبالي وبعد أسبوعين من تسلمها ورغم تعهدها بجعل هذا الملف ضمن أولوياتها فقد أعدت سرد نفس القرارات الفارطة بعد أن طلّ برأسه سمير ديلو الناطق باسم الحكومة في الأسبوع الماضي على الإعلاميين ليعلمهم أن مجلسا وزاريا قد انعقد للنظر في الملف وأعاد ذكر نفس التدابير التي أعلنتها حكومة السبسي.

في اعتقادنا الحلّ موجود وبسيط ولا يتطلب مثل هذه المدة (سنة كاملة والمعاناة متواصلة) كان على الحكومات السابقة وحتى الحالية أن تُخصص صندوقا للغرض بقيمة 5 ملايين دينار أو حتى أقل من ميزانية الدولة وهو مبلغ زهيد بالنظر مع ما تم صرفه (800 مليون دينار للاستجابة للزيادة في الأجور والمنح في 2011) لا سيما وأن حكومة السبسي قد أعدت قانون مالية تكميلي وكأنها تناست مثل هذا الإجراء.

ومن الحلول الأخرى هو إمكانية اتفاق بين الدولة والمصحات الخاصة في تونس لتتولى الإشراف على مداواة الجرحى والتقليص من معاناتهم علاوة على تمتعهم بالأدوية الباهضة الثمن.

إن حكومة حمادي الجبالي مُقدمة على إعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2012 والذي قد يتضمّن تعديلا في ميزانية بعض الوزارات وإعطاء الأولوية للمشاريع العاجلة خاصة في البنية التحتية وإحداث مواطن الشغل وتحسين ظروف العيش، ولأجل ذلك فإن الفرصة أمامها لتدارك أخطاء الماضي في تسوية ملف تعويض الشهداء والجرحى وتخصيص صندوق للغرض… فلنرى ماذا سيحصل.

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.