حكم بورقيبة: جانفي 1963 من الانقلاب إلى الإعدام

يبدو أن إعادة قراءة التاريخ في تونس لن تقتصر على حقبة النظام البائد فقط فعمليات النبش في الحقائق والسجلات بدأت تطال كذلك الحقبة البورقيبية، وحتى بدايات تأسيس دولة الاستقلال وفترة المخاض التي سبقتها…



حكم بورقيبة: جانفي 1963 من الانقلاب إلى الإعدام

 

يبدو أن إعادة قراءة التاريخ في تونس لن تقتصر على حقبة النظام البائد فقط فعمليات النبش في الحقائق والسجلات بدأت تطال كذلك الحقبة البورقيبية، وحتى بدايات تأسيس دولة الاستقلال وفترة المخاض التي سبقتها.


هذا الأسبوع عادت الذاكرة الوطنية إلى أحد أكثر الصفحات سوادا وغموضا في تاريخ الدولة الحديثة وتحديدا إلى بدايات الستينات بمناسبة الذكرى 49 للمحاكمة الشهيرة ضد عدد من الكوادر العسكرية والمدنية اللذين اتهموا بالتآمر ضد أمن الدولة وقلب نظام الحكم عام 1962 والتي انتهت بإصدار حكم الإعدام ضد أغلب الموقوفين يوم 18 جانفي 1963 بعد جلسة دامت 23 ساعة.

اليوم، وعلى خلاف العقود الماضية، هناك حديث علني مقترنا بجملة من التساؤلات حول ما إذا كان جائزا الحديث عن مؤامرة فعلا أو ما إذا كان من العدالة قيام تلك المحاكمة أصلا بالنظر إلى سلوك النظام البورقيبي آنذاك وانحرافه عن تطلعات النخبة نحو نظام تعددي.

ومن ذلك الحديث ما جاء مؤخرا على لسان كل من السيد الهادي الحناشي ابن الضابط صالح الحناشي والسيد الصايفي البمبلي ابن الضابط عمر البمبلي، وكلا الضابطين كانا ضحية حكم الإعدام .

 مازال الهادي الحناشي يتذكر بمرارة في حديثه مع راديو شمس حول تفاصيل هذه المحاولة الانقلابية والتي كان أبطالها 26 شخصا عندما تم إيقاف والده يوم 25 ديسمبر 1962 عن العمل ليقضي ليلة الوداع مع العائلة ويذهب من الغد دون عودة . ومثله سار البقية إلى المصير الذي ينتظرهم.

 

في ذات المناسبة، وفي مقال له تحت عنوان "عسكريون يقلبون صفحات سوداء في تاريخ تونس" نقل الكاتب حسونة المصباحي إحدى شهادات من تبقوا على قيد الحياة من المشاركين في الانقلاب المذكور وتحدثوا عن قصصا مؤلمة عن تجربة السجن الطويلة التي عاشوها. وقال أحدهم "لقد كانت محاكمتنا صورية بأتم معنى الكلمة ذلك أنه ولا واحد منا منح فرصة الدفاع عن نفسه. أما فترة السجن الطويلة فكانت مهولة، اذ لا أحد يمكنه أن يتصور كيف يتمكن سجين من إمضاء سبع سنوات كاملة وهو مقيد بقيد حديدي طوله ثمانون سنتيمترا فقط، مشدود إلى الحائط!".

وأضاف نفس الشاهد قائلا "في زنزانة مظلمة تشبه الكهف تقع 37 درجة تحت الأرض ذقنا المر على يد مدير السجن. وكان الجوع يعذبنا طول الوقت. وبرغم قساوة البرد فإننا كنا بلا أحذية. وكنا نبقى دون استحمام سبعة أشهر كاملة."

في نظر المؤرخين كانت تلك الحادثة تطبخ منذ فترة على نار عاجلة خاصة مع تصاعد خيبة الأمل من شركاء النضال وتواتر الأخطاء الفادحة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، على رأسها عملية تصفية الزعيم صالح بن يوسف من قبل الاستخبارات التونسية في مدينة فرانكفورت الألمانية في شهر أوت من عام 1961 ومن ثم الخطوة العسكرية المتهورة لبورقيبة، في تقدير كبار الضباط التونسيين آنذاك، في ما يعرف بحرب الجلاء في بنزرت.

تلك الخطوة غير المنظمة التي زجت بالجيش التونسي الناشئ وأغلبه من المتطوعين التونسيين، غير مدربين ولا مسلحين، في مواجهة غير متكافئة مع الجيش الفرنسي المتطور بمدينة بنزرت في صائفة 1961، سقط على إثرها أكثر من ستة آلاف شهيد تونسي في زمن وجيز.

غير أن مشاعر النقمة آنذاك لم تكن لتقتصر على هذين الحدثين فحسب اذ يذكر الكاتب حسونة المصباحي في إحدى كتاباته أنه ثمة سبب آخر حرض العسكريين واليوسفيين على التفكير بالإطاحة ببورقيبة وبنظامه، يتمثل في تلك الخيبة المرة التي مـُني بها عدد كبير من الوطنيين القدامى الذين وجدوا أنفسهم عقب الاستقلال، مهمشين ومقصيين ومنسيين، في حين راح بعض الانتهازيين والوصوليين يتسلقون السلم بسرعة فائقة، ويحصلون على الامتيازات والوظائف الكبيرة، مستخدمين بهدف الوصول إلى مآربهم كل وسائل التملق لبورقيبة ونظامه.

وقد نقل حسونة في أحد مقالاته عن أحد هؤلاء الذين شاركوا في الانقلاب وجاؤوا إلى مؤسسة الدكتور عبد الجليل التميمي للبحث العلمي والمعلومات للإدلاء بشهاداتهم "لقد عاث الوصوليون والانتهازيون، خصوصا التابعين لما كان يسمى بـ «لجان الرعاية» المكلفة بتصفية خصوم بورقيبة، اليوسفيين منهم تحديدا، فسادا في كل المدن والقرى والأرياف. وانقلب بورقيبة فجأة ضد المبادئ التي كان يدعو إليها قبل الاستقلال، وأيد قتل خصومه والتنكيل بهم. حتى أن المؤيدين له مثل المنجي سليم، أقروا انه بالغ في هذا السلوك وأضاف آخر قائلا: «لقد سعى بورقيبة، وبكل الطرق، ليكون الزعيم الوحيد للبلاد وأراد أن يعود شرف النضال له وحده فقط. وهذا في اعتقادي سلوك أناني يتناقض مع مصالح المناضلين الحقيقيين والشعب."

على المستوى السياسي فإن حادثة الانقلاب الفاشل لعام 1962 لم تكن فقط مسوغا لبورقيبة لتصفية آخر خصومه من كبار المسؤولين والعسكريين في محاكمة سريعة أحيطت بإطار إعلامي ولم تتجاوز الشهر الواحد، وإنما كانت كذلك بمثابة الضربة القاضية تجاه أي أوهام لقيام نظام تعددي يحترم مبدأ التداول على السلطة بدليل قيام النظام سريعا نشاط الأحزاب بما في ذلك الحزب الشيوعي الذي لم يشفع له بيانه الذي استنكر فيه حادثة الانقلاب.

ولعل الجديد اليوم بعد ثورة 14 جانفي حسب ما جاء في حديث الهادي الحناشي ابن صالح الحناشي الذي أعدم مع رفاقه تجسد في اكتشاف المؤسسة العسكرية للمكان الذي شهد إعدام هؤلاء المسؤولين في بئر بورقبة، وهو نفس المكان الذي تم فيه اكتشاف المقبرة الجماعية التي دفن فيها جل المعدمين في تلك الفترة يوم 24 جانفي 1963 بعد أن تكفلت المحكمة العسكرية بالحفر .

 

لكن القصة لا تبدو كاملة، فالجديد كذلك حسب نفس الشهادة أنه اتضح من خلال هذه "الإبادة الجماعية" أن العدد الذي عثر عليه في المقبرة لا يطابق أبداً عدد الأشخاص الذين وقع إعدامهم .

تحرير : طارق القيزاني

تعليق واحد

  1. كم هم عدد الذين وقع إعدامهم كم عدد الأشخاص الذين وقع عثر عليهم

اترك رداً على هيكل إلغاء الرد

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.