ائتلاف ثلاثي جديد.. بحث عن التوازن أم رسكلة “الزعامات”؟

عقدت الخميس 9 فيفري 2012 ثلاثة أطياف سياسيّة هي حركة التّجديد وحزب العمل التّونسيّ وبعض ممثّلي القطب الحداثيّ الدّيمقراطيّ ندوة صحفيّة أعلنوا من خلاها توحّدهم في حزب واحد يُعقَد مؤتمره إثر مؤتمر حركة التّجديد الّذي سيقام …



ائتلاف ثلاثي جديد.. بحث عن التوازن أم رسكلة “الزعامات”؟

 

عقدت الخميس 9 فيفري 2012 ثلاثة أطياف سياسيّة هي حركة التّجديد وحزب العمل التّونسيّ وبعض ممثّلي القطب الحداثيّ الدّيمقراطيّ ندوة صحفيّة أعلنوا من خلاها توحّدهم في حزب واحد يُعقَد مؤتمره إثر مؤتمر حركة التّجديد الّذي سيقام في 9 و10 و11 مارس من السّنة الجارية.


النّدوة الّتي تمّ أثناءها الإعلانُ عن المبادئ العامّة والإجراءات التّرتيّبيّة للمؤتمر التّأسيسيّ المذكور كانت قد سُبقت الثّلاثاء 7 فيفري 2012 بإصدارهذه الأطراف لبيانٍ تمّ من خلاله التّأكيد على ضرورة التّوحّد في قوّة مُثْرِية للمشهد السّياسيّ  و" ليس في تقوية حزب من الأحزاب الموجودة".

 

من الواضح أنّ هذه الحركة التّحالفيّة الّتي تنضاف إلى مجموعة من التّحالفات الأخرى الّتي تمّت في الفترة الأخيرة تحت عناوين توحّد الدّيمقراطيّين والحداثيّين والتّقدّميّين جاءت ردّا على التّحالف الّذي قادَه الحزب الدّيمقراطيّ التّقدّمّي والّذي تمخض عن مشروع توحّدِ هذا الأخير مع حزب آفاق تونس والحزب الجمهوريّ وبعض الشّخصيّات المستقلّة في انتظار الإعلان عن ذلك رسميّا في مؤتمر التّقدّميّ في شهر مارس من السّنة الجارية.

 

إذن، وفي الوقت الّذي تصوّر فيه المتابعون أنّ التّشاور تقدَّم مع بقيّة الأطراف للالتحاق بالمجموعة الّتي يقودها الحزب الدّيمقراطيّ التّقدّميّ فاجَأ المتخلِّفون من نفس العائلة السّياسيّة بهذا التّحالف الموازي الّذي ظاهرُه مُسَاوَقَةِ حركةِ التّوحّدِ والاستقواء بتجميع المتفرِّقين وباطنُه إخْلاءُ ذِمَّةٍ من الالتحاق بالبادرة التّوحيديّة الدّيمقراطيّة للتّقدّمي وآفاق والجمهوريّ.

 

إنّ هذا يعني في قراءة أولى الإصرارُ على الإبقاء على وضع تشتّتِ الأحزاب الدّيمقراطيّة الحداثيّة التّقدّميّة رغم إقرارها جميعها بأنّ ذلك التّشرذم عيبٌ لابدّ من تجاوزه لتدارك الهزيمة الانتخابيّة الأخيرة لهذا الطّيف والحيلولة دون تكرّرها.

 

لقد أصبح واضحا أنّ المحرار الّذي يقيس به كلُّ طرف فرضيّة تحالفه مع بقيّة القوى هو موقعه من خارطة التّحالف ومدى انسجامها مع تصوّره لهذا الموقع بحسب رصيده النّضاليّ والتّاريخيّ وبحسب ما يُقدِّره بالنّسبة إلى حجمه الرّاهن في ضوء ذلك الإرث متقاطِعا مع المستجدّات.

 

ها هنا تنكشف الصّورة عن صراع خفيّ بين حركة التّجديد الّتي تُراهِن على أفضليّتها التّاريخيّة باعتبارها الحزب الأعْرَق الممتدّة جذورُه إلى فترة الاستعمار وبين الحزب الدّيمقراطيّ التّقدّميّ الّذي يُنازِل باعتباره مثَّل قاطرةَ النّضال ضدّ نظام بن علي والملجأَ الّذي أوَى وتبنَّى كلَّ الأصوات الّتي تصدّت صراحةً وبلا أيّ تنازلات لذلك النّظام.

 

وطبعا يُحيل هذا الصّراع إلى صراع زعامات "تاريخيّة" تريد أن تتعزز صورتَها القياديّة الّتي تلاشت أو كادت بفعل مراكمة الأخطاء بعد 14 جانفي 2011 حتّى داخل أحزابها الأصليّة. إنّ إيجاد حلفاء من خارج الدّائرة الحزبيّة الدّخليّة تُرَاهِن على تلك الزّعامات سيُعيد إلى هذه الزّعامات – بحسب تصوّرها – البريقَ الّذي أخفته حيثيّات ما بعد الثّورة والّتي حوّلتها إلى أوراق محروقة بتقدير كثير من الملاحظين.

 

لقد راهَن كثيرون على ما يوحّد هذه الأحزاب المتنافسة على قيادةِ تحالفٍ مازال جنينيّا وما زال مهدّدا بالإجهاض، ولعلّ المتبصِّر لا يرى من عاملٍ يوحّد هذه الأحزاب إلاّ حزب حركة النّهضة باعتباره خصمها جميعها، غير أنّ الحكمة الّتي تقود بها النّهضة "التّرويكا" والحنكة الّتي تعبِّد بها المشهدَ السّياسيّ بمفردات الدّيمقراطيّة رغم بعض الأخطاء والزّلات الّتي يُصِرُّ منافسوها على تضخيمها، أسْقَطَ هذه الأحزاب في خطاب استفزازيّ تتوهَّم أنّه سيجلب لها أنصارا، بل وتُخادِع نفسها بناء على ذلك أنّ ما تقوم به من تحالفات شكليّة هشّة سيقويّ رصيدَها المتوهَّم هذا.

 

إنّ الطّريقة الإقصائيّة الّتي تُعقَدُ بها مجموع التّحالفات الّتي باتت تحمل أنباءَها الأخبارُ تباعا لا تشِي بتوحِّد القوى بقدر ما تؤكِّد أنّ القوى "الدّيمقراطيّة" – كما تسمّي نفسها – بصدد تكريس الفرقة وتثبيت التّشرذُم، وسببُ ذلك الّذي لم يعد خافيا هو مرض "الزّعاماتيّة" وإن تخفُّوا عليه كلّهم بقوالب باتت ممجوجة لا يصدّقها أحدٌ من قبيل تحقيق التّوازن وتجذير الدّيمقراطيّة وتجميع الأصوات المهدورة إلخ…

صالح رطيبي/إعلامي من تونس

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.