التيار السلفي في تونس: المواطن خائف.. العلمانيون والحداثيون رافضون.. والحكومة لم تحسم بعدُ

جاءت الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت الجمعة أمام مقر التلفزة الوطنية بالعاصمة لتزيد من تواتر الحديث حول ظاهرة السلفيين في تونس…



التيار السلفي في تونس: المواطن خائف.. العلمانيون والحداثيون رافضون.. والحكومة لم تحسم بعدُ

 

جاءت الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت الجمعة أمام مقر التلفزة الوطنية بالعاصمة لتزيد من تواتر الحديث حول ظاهرة السلفيين في تونس.

 

ورغم أن الرؤى لا تزال غير واضحة إلى حد اللحظة حول القدرة التنظيمية للتيار السلفي وحول مستقبله السياسي الرسمي وكذلك حول  حجمه الحقيقي إلا أن مؤشرات بدأت توحي أنه سائر نحو مزيد تنظيم الصفوف.

 

وخلال الأشهر الأخيرة تتالت أحداث أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن السلفيين حطوا الرحال علنا بتونس بعد أن كانوا خلال سنوات حكم بن علي تحت السيطرة.

 

أحداث منطقة الروحية.. أحداث بئر علي بن خليفة.. ما يحصل يوميا في المساجد.. ما رافق زيارة الداعية وجدي غنيم .. أحداث الكليات والجامعات والمعاهد الثانوية.. قضايا قناة نسمة التلفزية  وصحيفتي المغرب  والتونسية.. المظاهرة الرافضة لتصريحات رئيس الجمهورية منصف المرزوقي عندما وصف السلفيين ب"الجراثيم".. أحداث جندوبة الأخيرة، وأخيرا الوقفة الاحتجاجية أمام  مبنى التلفزيون.. وغيرها من التحركات الأخرى، كلها تصب في نتيجة واحدة وهي أن التيار السلفي يحاول بكل الوسائل حيازة مكان له ضمن المشهد العام في تونس.

 

المواطن خائف

في نظر المواطن فإنه كلما كان هناك تحرك للتيار السلفي (الملتحين) في الشارع أو في غيره من الأماكن إلا وانتابه الخوف والرعب بسبب ما عُرف عن السلفيين والملتحين من عنف في التعامل مع المختلفين معهم  وخاصة من إمكانية حمل الأسلحة النارية والسيوف التي لم يتعود التونسيون على رؤيتها في حياتهم اليومية العادية.

 

كما ان التونسي أصبح خائفا من الدعوات إلى افتقاده مكتسبات الحرية والاعتدال والحداثة التي أصبحت خلال السنوات الأخيرة جزء من حياته اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها في نظر الأغلبية، ويخاف بالتالي من إمكانية دعوة التيار السلفي إلى ذلك.

 

الحكومة لم تحسم

في نظر الحكومة فان ما يحصل بين الحين والآخر من "تحركات" سواء في الشارع أو في المساجد هو من قبيل "التجاوزات" خاصة إذا تعلق الأمر باستعمال السلاح أو بالاعتداء على المنشآت العمومية والخاصة على غرار ما حصل مؤخرا من حرق لمراكز الشرطة بجندوبة أو لمقرات أحزاب أو منظمات وطنية.

 

حيث ذكر سمير ديلو الناطق باسم الحكومة مؤخرا "أن الحكومة سوف تتعامل مع تلك التجاوزات ليس فقط من خلال استخدام القانون، ولكن أيضاً من خلال الحوار وأن  العمليات التي يقوم بها السلفيون تصرفات "فردية" ولا تصدر عن أى حزب أو تنظيم".

 

وأضاف ديلو إن الحكومة ستصدر قرارات من شأنها حل مشكلة السلفيين التي برزت حديثا في تونس.

وحسب ما تداولته وسائل إعلام أجنبية ووطنية فإن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي برأ السلفيين في تونس من استخدام العنف وقال إنهم لا يهددون الأمن العام وان حركة النهضة مع الترخيص لحزب التحرير السلفي .

 

وقال الغنوشي في مقابلة أجرتها  معه صحيفة الخبر الجزائرية في تونس "في تقديرنا أن معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن العام، ويمكن للمجتمع المدني أن يتعامل معهم بالحوار والاستيعاب، و يمكن للديمقراطية أن تتعامل مع كل هذه التيارات الفكرية ".

 

وكان وزير الداخلية علي العريض قد أعلن منذ أسبوعين عن تفكيك قوات الأمن تنظيم إرهابي يسعى إلى إقامة إمارة اسلامية وعن مصادرة عدد كبير من الأسلحة بعد اشتباكات معه .

 

وشدد العريض على انه  يجب معالجة هذه الظاهرة بالتربية والدعوة الدينية والإعلام والثقافة والعدالة والأمن، وبتقديم حلول اجتماعية واقتصادية.

 

رفض

بالنسبة لأغلب الأحزاب السياسية ومختلف مكونات المجتمع المدني وعدد من وسائل الإعلام والمنظمات والجمعيات والحقوقيين والسياسيين المحسوبين على التيارات العلمانية والحداثية والوسطية المعتدلة، فإنها ما انفكت تندد بالوجود السلفي في تونس وبالأحداث التي تجد بين الحين والآخر أبطالها سلفيون.

 

وتُعبّر هذه الأطراف عن رفضها مسك السلاح من قبل الخارجين عن القانون وتدعو إلى ردع كل من يرتكب العنف المسلح أو غير المسلح تجاه شقيقه التونسي وتجاه المرأة بالخصوص وتجاه وسائل الإعلام.

 

كما أن المختصين في المجال الاقتصادي يحذرون من تداعيات العنف الديني على قطاع السياحة وقطاع الاستثمار الأجنبي في تونس  ويعبرون عن رفضهم المستمر لكل تحركات سلفية على أرض الوطن.

 

تبرؤ من التهم وتمسك

ومن جهتهم، ينفي المنتمون للتيار السلفي عن أنفسهم باستمرار تهمة الدعوة إلى العنف لكن يتهمون أطرافا أخرى بأنها هي التي تجرهم إلى ذلك  من خلال استهزائها بالدين وبالدين الإسلامي سواء في الشارع أو عبر وسائل الإعلام.


ويؤكد هؤلاء ان هناك أطرافا تحاول الترويج  لفزاعة السلفية والتشدد الديني، مثلما كان يفعل ذلك بن علي تجاه الإسلاميين بشكل عام، وذلك  حتى يبعدوا  الناس عن دينهم وحتى يروجوا لأجندات تخدم مصالح دول أجنبية تماما كما فعل بن علي.

 

ويعترف أغلب السلفيين أن ما يجد احيانا من أحداث خارجة عن القانون هي تصرفات فردية  وان هناك دعوات داخلية  (  داخل التيار ) باستمرار لتجنب مثل هذه التصرفات.

 

وتقول مصادر إعلامية أن تيار السلفية في تونس ينقسم  إلى تيار جهادي ينادي بالجهاد لنصرة  الإسلام وآخر علمي يعتمد على الدعوة الدينية .

 

ويقول السلفيون انهم متمسكون بالدفاع عن حقهم في الوجود بتونس إلى آخر رمق.


وحسب تقديرات غير رسمية يقدرعدد السلفيين في تونس بحوالي 20 ألفا لكن يبدو أن العدد مرشح للارتفاع في ظل اتساع رقعة نشاط التيار على عدة أنحاء من البلاد. وهم يحاولون من حين لآخر إبراز وجه آخر لهم من خلال القيام ببعض الأعمال الخيرية.

 

الحديث عن التيار السلفي في تونس مرشح لمزيد التجاذبات في الفترة القادمة ويبقى الخوف كل الخوف من أن يتحول الجدل إلى  ردود فعل عنيفة من هذا الطرف أو ذاك لتدخل بذلك البلاد في متاهات قد لا تنتهي.

 

وعلى كل الأطراف ملازمة الحذر في التعامل مع هذه المسألة بما في ذلك الحكومة والمواطن والتيار السلفي نفسه ومختلف مكونات المجتمع المدني.

 

كما  ستبقى حدة الجدل رهينة ما ستقرره الحكومة  حول منح التراخيص القانونية لأحزاب التيار الإسلامي المتشدد وحول إمكانية مشاركتها في الانتخابات القادمة.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.