شارعنا!

مرّة أخرى تصطنع الحكومة حدثا على هامش المشاكل الجوهريّة للمواطنين التونسيّن الّذين يرزح أغلبهم تحت لعنة الفقر والبطالة وانعدام الأمن، فبعد قضية النقاب وإثر استفزاز الاتحاد العام التونسي للشغل وبُعيْد مسلسل الشريعة …



شارعنا!

 

مرّة أخرى تصطنع الحكومة حدثا على هامش المشاكل الجوهريّة للمواطنين التونسيّن الّذين يرزح أغلبهم تحت لعنة الفقر والبطالة وانعدام الأمن، فبعد قضية النقاب وإثر استفزاز الاتحاد العام التونسي للشغل وبُعيْد مسلسل الشريعة والدستور طلع علينا فريق السيد حمادي الجبالي بقرار غلق شارع الحبيب بورقيبة أمام المتظاهرين بتعلّة كانت قد صنعتها الحكومة نفسها حين أسندت داخليّة السيد علي العريض رخصتين لفريقين متنافري الرؤى والمواقف هما المسرحيون والسلفيون للقيام بتظاهرتيهما في نفس الموعد والمكان..ولكن من الواضح أنّ الحزب المتحكّم في جماعة الترويكا أساء التّقدير هذه المرّة، إذ ولئن تمكّن من عزل الرّأي العام، وإنْ لحين، عن عجز الحكومة فإنّه مكَّن المواطنين ومختلف القوى السياسية والحقوقيّة من التفطّن إلى "مؤامرة" تُحَاك في الخفاء ضدّ الحريّة العنوان الأوّل لثورة 14 جانفي..ومن الطريف أنّ الغبار الّذي ذَرته أيادي الحزب المتحكّم مكَّن من كشف ما تمّ السّعي إلى التّعمية عليه أي التّعيينات المشبوهة في مجموعة من المناصب الهامة من مستشارين وسفراء وولات إضافة إلى مؤسسات حساسة مثل المعهد الوطني للإحصاء والمركز الوطني للإعلامية..وكلها مواقع ومؤسسات لها اتصال مباشر بالانتخابات تنظيما وترتيبا وأداء بما يفضَح نوايا الاستئثار بالحكم والتلاعب بالديمقراطية.

لقد كانت معركة الشارع – شارع الحبيب بورقيبة – التي أرادتها الحكومة لعبة للإلهاء حدثا مفصليا ليحسم الشعب التونسي في أمر حريّته لا باعتبارها هبة يَمُنّ عليه بها من يشاء ومتى يشاء وإنّما باعتبارها ثمرة نضال استمرّ لأجيال ودُفِع من أجلها الثّمنُ دمًاغاليا، ولذلك فقد بات من المستحيل التّراجع عنها أو الاستكانة إلى التّلاعب بها بما يفسّر ردَّ الفعل الغاضب يومي 9 و10 أفريل بالشّارع الّذي أراد المتآمرون اغتصابه..لقد رُفِع الشعار عاليا في وجه الحالمين بدكتاتورية ناعمة خطّطوا لها ولكنّ خيوطها بدأت تنكشف فبدَأَ انهيارها في مهدها وبات من العصيّ أن تتواصل..كان الشّعار: الشّارع شارعنا. بهذا حسم التونسيون لا أمر الشارع فقط وإنّما أمر حريّتهم الّتي جذّروها بتصلّبهم في الدفاع عنها باعتبارها باتت ركنا ركينا من العناصر المحدّدة للهويّة، بل الركّن الأول لهذه الهويّة ذلك أنّ "الكوجيطو" الّذي نحته أحفاد حنبعل وابن خلدون وفرحات حشاد هو: أنا تونسيّ إذن أنا حرّ.

لم تتنازل الحكومة كما هو ظاهرُ الأمر من خلال قرار مجلس الأربعاء 11 نوفمبر 2012 الوزاريّ الّذي ألغى القرار القاضي بمنع التّظاهر بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، وإنّما فرَض الشّعب التونسيّ قرارا شعبيا باتّا مفاده أنّه بات شعبا حرّا في تونس الحرّة.

 

صالح رطيبي/إعلامي من تونس

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.