تونس تخطو خطواءات بطيئة في مسار الانتقال الديمقراطي

يتطلب بناء نظام ديمقراطي جديد في تونس بعد سقوط الحكم النوفمبري تصميما سياسيا وأسلوبا جديدا في التعاطي مع الواقع التونسي بعد الثورة ويكون النموذج التونسي نتاجا لإرادة الشعب واستجابة لطموحاته المشروعة للحرية والكرامة والعدالة

تونس تخطو خطواءات بطيئة في مسار الانتقال الديمقراطي

 
 

يتطلب بناء نظام ديمقراطي جديد في تونس بعد سقوط الحكم النوفمبري تصميما سياسيا وأسلوبا جديدا في التعاطي مع الواقع التونسي بعد الثورة ويكون النموذج التونسي نتاجا لإرادة الشعب واستجابة لطموحاته المشروعة للحرية والكرامة والعدالة.

 

وترتكز الرؤية الديمقراطية بالخصوص على مبدأ الفصل بين السّلط التشريعية والتنفيذية بسنّ قوانين وقواعد وتشريعات يقع اللجوء إليها في حال تعطّل حوكمة الدولة واستقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية وتفويض القضاء بممارسة مهامه وعدم تعطيله من قبل السلطة التنفيذيّة مهما كانت مشروعيتها، الى جانب التداول بين السلطة التشريعية والتنفيذية مع تحديد مجالاتهما.

 

كما تعتمد الديمقراطية على احترام القيم المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتبنّيها دستوريّا والانخراط فيها وضمان صون كرامة المواطن والتصدي إلى الإقصاء وضمان حقّ الفرد في الرأي وممارسة شعائره الدينية مع المحافظة على روح التآخي والتسامح الحق لكلّ مواطن في الاجتماع والتشارك والتنقل والتعبير بكلّ حرية.

 

وتشترط حرّية التعبير وضمان استقلالية الإعلام عن السلطات التنفيذية وضمان تعدد مصادر المعلومات والشفافية التّامة في الحوارات وشفافية أخذ القرارات التي تهمّ حياة المواطنين من قبل الهياكل والمؤسسات الحكومية مع الحرص على أن نحترم الحكومات المنتخبة ديمقراطيا ارادة الشعب وحاجاته أثناء ممارستها للديمقراطية.

 

وبالرغم من الخطوات التى قامت بها تونس في مجال الانتقال الديمقراطي فإنها تعد خطوات بطيئة للغاية لا ترتقى إلى مستوى طموحات الشعب خاصة بعد انتخابات المجلس التأسيسي، وذلك بالنظر إلى ضبابية المشهد السياسي وتضارب مواقف الأطراف الحكومية وتوتر علاقتها مع المعارضة مما جعل من أمر ايجاد قنوات للحوار بين الجانبين أمرا صعبا وهو ما من شأنه أن يعطل مسار عملية الانتقال الديمقراطي وربما إجهاضه.

 

فالحكومة الحالية تعيش حالة من الانغلاق على نفسها والتي تجسدت من خلال تفردها بالقرارات الكبرى خاصة في مجالات الإعلام والأمن والمنوال الاقتصادي، مما جعلها ترتكب العديد من الأخطاء في حين لا تبدى حركات المعارضة بلا استثناء تجاوبا مع مبادرات الحكومة والنهج الذي تسير فيه بايجابياتها وسلبياته.

 

أما النقطة السلبية الثانية التي تسببت في تعطيل المسار الديمقراطي المجلس الوطني التأسيسي، السلطة العليا في البلاد ومصدر التشريعات والقوانين، فهو يعيش حالة من الفوضى وسوء التنظيم ولم يستطع الى حدّ الآن من التقدم في وضع الفصول الأولى من الدستور وسن قوانين تونس في حاجة اكيدة اليها.

 

فالمجلس التأسيسي الذي انتخبه الشعب لوضع دستور جديد وتنظيم دولة القانون وإرساء المؤسسات التى ستمكن تونس من الانطلاق الفعلي نحو الديمقراطية على غرار المحكمة الدستورية والهيئة العليا للاعلام والهيئة المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للقضاء والتكريس التشريعي لفكرة الأمن الجمهوري، لم يتمكن إلى حدّ الآن من وضع خارطة طريق واضحة ومعلومة حول برنامجه والمسار الذىى سيعتمده.

 

كما ساهم عدم التنصيص في القانون الداخلي على تحديد مدة زمنية معينة لأعمال المجلس التأسيسي وافتقاره للخبرات القانونية ضمن نوابه بالإضافة إلى تغليب هؤلاء النواب لمصالحة الاحزاب الذين ينتمون اليهم على المصحلة العليا في البلاد في تشتيت المشهد السياسي ووضع مصداقية السياسيين على المحك.

 

تفكك أحزاب المعارضة وتراجع شعبيتها تعد نقطة سلبية أخرى. فهذه الأحزاب التى عارض عددا منها نظام المخلوع لم تتمكن بعد الثورة من توحيد صفوفها واختيار نهج سياسي وفكري يحظى بموافقة التونسية وساهمت الانقاسمات في صفوف هذه الاحزاب في التشكيك حول مستقبل الديمقراطية في تونس وضمان التداول على السلطة، خاصة في ظلّ تواجد حزب وحيد قوي ومتماسك إلى حد الآن وهو حزب حركة النهضة الحاكم.

 

أما الاعلام والقضاء والأمن، الأجهزة التي تمثل العمود الفقري لانجاح أية علمية ديمقراطية فما زالت إلى حدّ الآن تعاني من فراغ هيكلي وتنظيمي وقانوني ويطالب المتدخلين فيها من الحكومة والمجلس التاسيسي أن يولوا جدية في تناول هذه الملفات بعيدا عن التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة.

 

كما يعدّ الاستمرار في المنوال التنموي الذي اعتمده النظام السابق وأثبت فشله على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نقطة سلبية جدا في تونس بعد الثورة وأثارت انتقادات واسعة من قبل السياسيين والحقوقيين وحتى أطراف من الحكومة المؤقتة والذين اعتبروا أن الميزانية والبرنامج التكميلي لم ترتق إلى مستوى انتظارات الشارع التونسي ولن تساهم في تحقيق الانتقال الديمقراطي بالنجاعة والسرعة المطلوبة.

 

مريم التايب

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.