تونس– في انتظار الدستور متى نبني الهيئات التعديلية الكبرى؟

الإعلان عن موعد الانتهاء من كتابة الدستور من قبل مصطفى بن جعفر والذي حدّد في شهر أكتوبر القادم أعاد تذكيرنا بالملفات العالقة في المجلس التأسيسي، والتي تتعلق جميعا بالهيئات التعديلية الني بدونها لن نتمكن من …



تونس– في انتظار الدستور متى نبني الهيئات التعديلية الكبرى؟

 

الإعلان عن موعد الانتهاء من كتابة الدستور من قبل مصطفى بن جعفر والذي حدّد في شهر أكتوبر القادم أعاد تذكيرنا بالملفات العالقة في المجلس التأسيسي، والتي تتعلق جميعا بالهيئات التعديلية الني بدونها لن نتمكن من الوصول إلى الانتخابات القادمة، وبالتالي لن نتمكن من الخروج من المرحلة الانتقالية مع ما يعني هذا من تواصل الاحتقان السياسي والاضطرابات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية…

 

ولقد بالغت الأطراف السياسية الحاكمة بحسابات سياسية أو بدونها وكل من زاويته في تناسي ما تضمنه قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية المصوت عليه من قبل المجلس التأسيسي والذي ينصّ على ضرورة تشكيل هيئة مستقلة تتكفل بالإعداد للانتخابات.

 

ورغم مناداة العديد من السياسيين ومن نشطاء المجتمع المدني فإن الحكومة وأحزاب الترويكا أمضت ما يزيد عن أربعة أشهر دون أن تعالج هذا الملف الذي لم يكن الإجماع فيه بالعسير خاصة مع توفر إمكانية البناء على مراكمة تجربة الهيئة العليا المستلة للانتخابات، التي وبرغم نواقصها فإنها تشكل لبنة من لبنات البناء التوافقي الذي تمكنا به من تجاوز مطبات المرحلة الانتقالية الأولى…

 

وبدا واضحا اليوم مع ظهور الخطوط الأولى لمشروع القانون المزمع تطبيقه بخصوص هيئة الانتخابات أن الاتجاه يسير نحو تركيبة محاصصة حزبية لا يمكن أن تفي بغرض الاستقلالية الذي يعتبر الشرط الأساسي في التأسيس لهيكل مستقل للانتخابات.

 

ولقد كان واضحا في حفل إنهاء مهام الهيئة العليا المستقلة الأسبوع الماضي أن الأطروحات تختلف في بعض جوانبها بين منصف المرزوقي والجبالي وبن جعفر رغم الحرص الخطابي على التأكيد على استقلالية الهيئة في كل الأحوال…

 

ومن جهة أخرى، نص القانون المنظم للسلط العمومية على ضرورة تشكيل هيئة وقتية للقضاء تتولى إدارة شأن هذا المرفق العمومي المركزي في انتظار سنّ الدستور وتنظيم السلطة القضائية بمعية السلط الأخرى…

 

ولقد رحبت الهيئات المعنية بالقضاء ومنها بالخصوص جمعية القضاة التونسيين والنقابة العامة للقضاة والهيئة الوطنية للمحامين بفكرة الهيئة الوقتية، وأعربت عن استعدادها للمشاركة في إقامتها وتنظيمها إلى حين ولمن الموضوع مازال معلقا ولم يتعد بعد مستوى الاستشارات اليتيمة التي تمت مع وزير العدل بالرغم عن التصريحات المتواصلة في هذا الشأن…

 

وكان المرسوم عدد 116 المتعلق بتنظيم الفضاء السمعي البصري والذي صادقت عليه توافقيا، ورغم كل الهنات التي يحملها، مشروع الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، فقد شرّع لإقامة هيئة عليا مستقلة للإعلام السمعي البصري مثلما هو معمول به في جل الديمقراطيات.

 

ولكن هذا المرسوم ومثيله المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر ظل غير مفعل إلى اليوم بتعلة كطالبة الجميع بإدخال تعديلات على نصوصه، وهذا مشروع في حد ذاته لأن المرسومين لم يجدا الكثير ممن يدافع منهما لا في القطاع الإعلامي ولا خارجه، ولكن الاستمرار في السكوت عنهما وعدم توفير إطار قانوني شامل وتوافقي لقطاع الإعلام لا يساهم بالمرة في توضيح الرؤية وفي استكمال شروط نجاح الفترة الانتقالية الثانية التي نحن بصددها…

 

ومع اشتداد الحملات الناقدة للإعلام من عديد الجهات، ومع الفراغ القانوني الكبير الناجم عن ذلك ، نجد أن الوضع قد أطلق العنان للمال المشبوه وللصحافة الصفراء وللمزايدات والمهاترت المختلفة التي تزيد من تعقيدات الساحة الاعلامية التونسية الناشئة…

 

وأخيرا وليس آخرا لا بد من الإشارة إلى التعثر الواضح في ملف الهيئة التي ستتكفل بإدارة العدالة الانتقالية والتي أحدثت لها وزارة كاملة في حكومة الترويكا. وبالرغم من الجهد الواضح الذي بذله سمير ديلو في الالتقاء بكل الأطراف المعنية بالعدالة الانتقالية، إلا أن الملامح الأولى لهذه الهيئة التعديلية المركزية في طريقنا نحو بناء الديمقراطية لا تزال ضبابية تماما ولم تتوضح بعد لا في أذهان الحكام ولا في أذهان المعنيين بالأمر من قضاة ومحامين وخبراء بالرغم عن الاستعدادات التي أبدتها أكثر من هيئة أممية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة لإعانة تونس في هذا المجال الحيوي لغسل الذاكرة والمرور إلى زخم البناء الديمقراطي الجديد…

 

وهكذا وأمام هذا التعثر الواضح في ملفات كل الهيئات التعديلية المحورية للبناء الديمقراطي فإنه من حقنا التساؤل عن الأسباب والملابسات التي تعطل العمل الضروري في هذه الملفات وكذلك التساؤل من مدى إمكانية الوصول إلى موعد نهاية كتابة الدستور ونحن لم نفعل شيئا في ما عداه من هيئات لا بد من وجودها لاستمرار الانتقال الديمقراطي وتوفير أسباب النجاح له…

 

بقلم علي العيدي بن منصور

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.