حكومة الجبالي تتعرض للهزّة تلو الأخرى ومهدّدة بالتصدّع.. فهل تصمد في الضربة القادمة؟

منذ تولي حكومة حمادي الجبالي مقاليد تسيير البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في ديسمبر 2011 ما انفكت تتعرض إلى العديد من الهزات والضربات الموجعة والتي لم تؤثر على مصداقية هذه الحكومة وجديتها بل كانت لها تداعيات سلبية على صورة تونس على الصعيد الدولي واهتزازها تجاه بعض الدول وخاصة سمعتها تجاه المؤسسات المالية الدولية…



حكومة الجبالي تتعرض للهزّة تلو الأخرى ومهدّدة بالتصدّع.. فهل تصمد في الضربة القادمة؟

 

منذ تولي حكومة حمادي الجبالي مقاليد تسيير البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في ديسمبر 2011 ما انفكت تتعرض إلى العديد من الهزات والضربات الموجعة والتي لم تؤثر على مصداقية هذه الحكومة وجديتها بل كانت لها تداعيات سلبية على صورة تونس على الصعيد الدولي واهتزازها تجاه بعض الدول وخاصة سمعتها تجاه المؤسسات المالية الدولية.

 

فالمتابع لأداء الحكومة الحالية منذ أكثر من 9 أشهر تقريبا يلاحظ ومن دون تحامل عليها وبكل مصداقية وموضوعية، لخبطة وارتباك في الأداء العام وعدم تجانس وتناسق أداء بعض الوزراء الذين ورّطوا أنفسهم في العديد من الإشكاليات والمشاكل وهو ما انعكس سلبيا على أداء الحكومة ونجاعتها.

 

لقد أطنبت حكومة الجبالي في الوعود ووضعية البلاد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لا تحتمل التأخير بل تتطلب حلولا عاجلة، غير أن هذه الوعود استغرقت عدة أشهر الأمر الذي جعل العديد يشكك في مدى جدية الحكومة إلى حين الإعلان عن برنامجها الاقتصادي والاجتماعي في شهر أفريل الفارط وما رافقه من جدال في الأوساط السياسية والاقتصادية في البلاد.

 

التصريحات النارية والمتسرعة وغير المدروسة لبعض أعضاء الحكومة حول بعض المجالات التي حتى تتجاوز صلاحياتهم ساهم بشكل كبير في زعزعة الثقة لدى الناس. فالكل يتذكر تصريحات وزير التشغيل بأن مهمة وزارته ليس التشغيل وأن مستقبل أبناء تونس هو العمل في ليبيا ووعده بتوفير 100 ألف موطن شغل في سنة 2012، علاوة على التصريحات القوية والمنفعلة لوزير الشؤون الخارجية بالإضافة إلى التضارب الحاصل في التعاطي مع بعض الملفات الاقتصادية الحساسة على غرار إسناد مصفاة الصخيرة لتكرير النفط ومنجم سراورتان للفسفاط بالشمال الغربي إلى دولة قطر وما حام حولهما من تساؤلات وشكوك حول طرق التفويت من دون إنجاز طلبي عروض دوليين يعطي الفرصة والحظوظ بكل موضوعية لجميع المستثمرين المهتمين، في الوقت الذي تنادي الحكومة بالقطع مع ممارسات العهد السابق!!!

 

ولعلّ الضربة الموجعة القوية التي تلقتها الترويكا من داخلها والتي أشّرت على تتالي الصدمات والهزات القوية والموجعة تتمثل في استقالة الوزير المكلف بالإصلاح الإداري محمد عبّو في جوان 2012 وشرحه أسباب الابتعاد عن الحكومة بعدم تمكينه من الملفات الحقيقة لمعالجة الفساد الإداري في تونس بما يمثل الدخول في منعرج خطير نسبيا في الأداء الحكومي وبداية التصدّع.

 

ارتباك الائتلاف الحكومي وضبابيته تواصل إلى حد اندلاع أزمة سياسية حقيقة في البلاد بعد تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد العقيد الراحل معمر القذافي "من دون علم رئيس الجمهورية المؤقت" وما رافق هذه المسألة من صراعات داخلية في الترويكا جعلت صورة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تهتز بشكل جلي لدى الشعب الذي وجد نفسه ضحية صراعات داخلية غير معني بها بل إنه يبحث عن توازنه والاستقرار بعد أكثر من سنة ونصف من الثورة.

 

ولقد تمادى الائتلاف الحكومي في مخاضه وتعسّر ولادة أنموذج تونسي جديد نقي وطاهر، غير أن هذا المخاض تولّد عنه أزمة أخرى كان البلد في غنى عنها وتتمثل في إقالة محافظ البنك المركزي التونسي والجدل واسع النطاق الذي طغى على الموضوع، وقد قدّم المحافظ السابق تبريرات ومعطيات موضوعية يمكن القول إنها "فضحت الحكومة والائتلاف الحاكم" وأن عملية الإقالة لا تعدو أن تكون لمحاولة ترضية رئيس الجمهورية المؤقت بعد الصفعة التي تعرض لها من عدم إبلاغه بتسليم البغدادي المحمودي.

 

هذه الإقالة كما يعلم الجميع كان لها تداعيات سلبية في الأوساط المالية العالمية إذ أن مؤسسة "موديز" للتصنيف انتقدت بشدة طريقة إقالة محافظ البنك المركزي، معتبرة أن ذلك سيؤثر على مصداقية البنك وبالإمكان مراجعة الترقيم السيادي لتونس نحو التخفيض بما سيساهم جليا في مزيد اختناق الاقتصاد التونسي وتدهوره في عهد "التروكيا".

 

ولعل القشة التي قصمت ظهر البعير تتمثل في إعلان وزير المالية حسين الديماسي يوم الجمعة 27 جويلية الجاري وشرحه أسباب اختيار الابتعاد عن هذه الحكومة بعد أن كشف للرأي العام نوايا الحكومة في تمرير قانون يخول تعويض الذين تعرّضوا إلى السجن في العهد السابق وأغلبهم من حركة النهضة وما سيكلف هذه العملية ميزانية الدولة من ضغط إضافي وقد قُدّرت هذه التعويضات بحوالي مليار دينار ما يساهم في إحداث آلاف مواطن الشغل.

 

وعبر وزير المالية المستقيل تضامنه بصفة ضمنية في نص الاستقالة مع المحافظ البنك المركزي السابق والطريقة الاعتباطية التي أُقيل بها.

 

كل هذه الوقائع تؤشر إلى دخول الترويكا والائتلاف الحاكم في منعرج خطير قد يكون له عواقب وخيمة على البلاد إذ أن هناك من يتحدث، على خلفية الاحتجاجات التي عرفها بعض مناطق البلاد وخاصة في سيدي بوزيد، عن قيام ثورة ثانية باعتبار أن الثورة الأولى لم تحقق أهدافها، بل وتمّ الالتفاف عليها بثورة مضادة.

 

ما يمكن التأكيد عليه أن التدارك ما زال قائما وما على أعضاء الحكومة المؤقتة الجلوس أولا مع بعضهم وتدارس هذه الهزات وتحليلها بكل تروّ ومراجعة العديد من الأخطاء وبل قبل ذلك الإقرار بهذه الأخطاء والحرص على تجاوزها وعدم انتظار هزة أخرى قد تعصف بهم وتجعل مصداقية الحكومة في الميزان واتخاذ الإجراءات السياسية وخاصة الاقتصادية منها لإنقاذ البلاد قبل أن تغرق في المديونية وارتفاع التضخم وغلاء مستوى المعيشة ووقتها لا ينفع أي حلول متسرعة وأن الشعب لن يبقى متفرجا.

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.