خطأ الإسلاميين القاتل

يقول مثل تونسي قديم من المرسى بدأنا الجدف” ويـُضرب في استياء المرء من الوقوف المبكـّر على ما لا يسره.

وفي أحوال مصر هذه الأيام يمكن استحداث مثل يقول “من (الرئيس) مرسي بدأنا نعرف ما ينتظرنا من حكم الإسلاميين” لبعض بلاد الثورات العربية. ..



خطأ الإسلاميين القاتل

 

يقول مثل تونسي قديم من المرسى بدأنا الجدف" ويـُضرب في استياء المرء من الوقوف المبكـّر على ما لا يسره.

 

وفي أحوال مصر هذه الأيام يمكن استحداث مثل يقول "من (الرئيس) مرسي بدأنا نعرف ما ينتظرنا من حكم الإسلاميين" لبعض بلاد الثورات العربية.

 

عندما طرحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر شعار "المشاركة لا المغالبة" كانت تعلم أنها لا تستطيع بل لا تريد تنفيذه لأنها تريد كل الحكم لا جزءا منه، حتى وإن كان كبيرا، وتريد أن تغلب لا أن تشارك…

 

هكذا كـُتب في أحد المواقع الناصرية قبل أشهر في حمى حملة الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي… وهكذا كان يراهم أيضا آخرون، قبل هذا الموعد وبعده، سواء ممن لديهم معهم خصومة عقائدية أو أولئك الاستئصاليين الذين طالما وقفوا مع أنظمة الحكم العربية في معارك إقصائهم ومطاردتهم وتعذيبهم. ف

 

ي المقابل كان هناك، بعد الثورات العربية، من سعى أن ينأى عن الموقف العدائي التقليدي من الإسلاميين وسوء الظن الدائم بهم ورأى أن يدافع عن حق هؤلاء في أخذ فرصتهم في الحكم التي لم تكن منّـة من أحد بل جاءت عبر صناديق الاقتراع.

 

إلى حدّ الآن لا بد من الاعتراف بأن المؤشرات المتصاعدة تعزز للأسف نظرية المتشائمين من الإسلاميين بـ’الفطرة’ وتضعف كل يوم من توسـّـم فيهم الخير ظانا أن التجارب السابقة صقلتهم وعلمتهم الكثير.

 

في مصر اليوم بات واضحا، بعد الإعلان الدستوري المثير للصدمة وما أعقبه من "سلق للدستور"، وفق تعبير المعارضين، وتطاول غير مسبوق على القضاء، واستعداء للصحافيين، أن الإسلاميين من الإخوان وحلفائهم من السلفيين باتوا في واد وباقي القوى السياسية الأخرى كلها في واد آخر.

 

هذا ليس من الحصافة في شيء فأي فائدة يمكن أن تكون للرئيس مرسي في بداية عهده ألا يجد إلى جانبه اليوم سوى الملتحين من جماعته ومن لف لفها من قوى الإسلام السياسي ومجموع الانتهازيين المستعدين لمناصرة كل العهود، فيما البقية إما ضده بالكامل أو أنها لم تأنس فيه وفي من يرعاه ما يدعو حقيقة إلى الثقة والاطمئنان؟!

 

الإخوان في مصر قـُهروا لعقود والآن بدوا وكأنهم لا يمانعون من قهر غيرهم فبدوا وكأنهم يقيمون الدليل على أن من سبقهم من الحكام لم يكن مخطئا تماما في تعامله القاسي معهم.

 

لقد بات جليا أن إظهار التدين ليس رخصة كفاءة في عالم السياسة إذ ليس مناسبا بالمرة حرق المراحل والانتقال الصادم من موقع المقصي والملاحق إلى موقع المستحـوذ على كل شيء وغير القابل للتنازل عن أي شيء.

 

كان الإسلاميون الملاحقون في مصر وتونس وغيرها يرددون دائما بأنهم لا يطمعون في أكثر من دكان في "البازار السياسي" لبلدانهم، وهذا حقهم البديهي بلا جدال، لكنهم الآن يريدون لأنفسهم البازار كاملا وقد يتكرمون بقبول البعض باعة جائلين أو أجراء في دكاكينهم.

 

الدكتاتورية سيئة سواء في كل الأحوال سواء كانت بذقن أو حليقة، بل حتى لو جاءت عبر صناديق الاقتراع، خاصة وأن هؤلاء الإسلاميين، الذين أعجبتهم كثرتهم فاغتروا بها، يجيـّـرون لحساباتهم الحزبية موروث الأمة وعقيدتها وأحيانا بتلون غريب فيحلون لأنفسهم ما كانوا يحرّمونه على غيرهم.

 

عوض أن تنطلق مصر الجديدة بعد ثورتها الرائعة على أرضية صلبة توافقية، ها هي تبدأ بالفرقة والاستقطاب ولي الأذرع استقواء بالكثرة العددية والقدرة على الحشد.

 

قد نصل إلى هذا الوضع بعد سنوات وفي مرحلة متقدمة من دمقرطة الحياة السياسية وصولا إلى ضرورة احترام الأقلية للأغلبية، أما في مراحل الانتقال الديمقراطي الصعبة فلا مفر من سعة الصدر للوصول إلى صيغ توافقية يقبلها الجميع خاصة في موضوع الدستور الذي يجب أن يكون محل إجماع وطني تاريخي حتى يصمد لفترة طويلة.

 

الآن، منطق الأغلبية والأقلية واستعراض العضلات لن يبني وطنا جديدا ولن يؤسس لمستقبل أفضل.

 

بقلم: محمّد كريشان (القدس العربي)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.