قوانين المجلس التأسيسي بلا رقابة دستورية ومخاوف من تقويض مبادئ الدولة المدنية وحقوق الإنسان

تعيش تونس اليوم فراغا رهيبا على مستوى مراقبة القوانين التي يسنها المجلس التأسيسي، حيث لا يوجد أي هيكل تعهد إليه مهمة مراقبة دستورية القوانين (محكمة دستورية أو مجلس دستوري ).
وبهذه الوضعية تعد تونس من الدول النادرة في العالم التي تعيش هذه الوضعية باعتبار أن القضاء الدستوري هو من ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة…



قوانين المجلس التأسيسي بلا رقابة دستورية ومخاوف من تقويض مبادئ الدولة المدنية وحقوق الإنسان

 

تعيش تونس اليوم فراغا رهيبا على مستوى مراقبة القوانين التي يسنها المجلس التأسيسي، حيث لا يوجد أي هيكل تعهد إليه مهمة مراقبة دستورية القوانين (محكمة دستورية أو مجلس دستوري ).

 

وبهذه الوضعية تعد تونس من الدول النادرة في العالم التي تعيش هذه الوضعية باعتبار أن القضاء الدستوري هو من ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة.

 

ويتسبب غياب القضاء الدستوري في مصادقة البرلمان على قوانين يكون فيها أحيانا خرق واضح للمبادئ والقيم الدستورية العالمية التي تنبني عليها الدولة ويقع تضمينها بالدستور، ولا يمكن لأي كان أن يطعن في تلك القوانين أو أن يطالب بإلغائها مهما كانت قوة خرقها للدستور.

 

وفي هذه الحالة أصبح الخوف كل الخوف على تونس من أن توجد بها قوانين "خطيرة" تقوّض مبادئ الدولة المدنية ومبادئ الديمقراطية والحداثة، خاصة أن نظام الأغلبية داخل التأسيسي قد يتيح تمرير مثل هذه القوانين دون أي إشكال.

 

وسبق لعديد الملاحظين ورجال القانون وخاصّة لبعض النواب بالمجلس التأسيسي أن نبهوا للمخاطر التي ستترتب فيما بعد جراء تمرير بعض القوانين والمصادقة عليها، لكن لم يكن بإمكانهم فعل أكثر من ذلك بما أن القوانين تصدر بالرائد الرسمي مباشرة بعد المصادقة عليها، ويمكن في هذا المجال ذكر أمثلة عديدة.

 

ومن أبرز القوانين التي يمكن الإشارة إليها قانون تحصين الثورة الذي يراه كثيرون مخالفا للمبادئ العامة لحقوق الانسان.

 

وتعمل تونس اليوم وفق "دستور صغير" وهو التنظيم المؤقت للسلط العمومية، لكنه لا يتضمن أية إشارة للقضاء الدستوري.

 

وكان دستور 1959 الذي وقع تعليق العمل به يشير إلى القضاء الدستوري ويكلفه بمهمة مراقبة دستورية القوانين. وقد كان هذا المجلس قائما ويقوم بهذا النشاط طيلة السنوات الماضية لكن تعلق نشاطه آليا بعد تعليق العمل بالدستور.

 

وقد بادر نظام بن علي منذ 16 ديسمبر 1987 ببعث المجلس الدستوري للجمهورية وإدراجه بالفصل حسب الفصل 72 من الدستور وتكليفه بالنظر "في مشاريع القوانين التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية من حيث مطابقتها للدستور أو ملاءمتها له".

 

وطيلة العام الماضي نبه كبار رجال القانون في تونس إلى هذا المشكل الخطير (أي غياب قضاء دستوري) على غرار عياض بن عاشور والصادق بلعيد وسليم اللغماني وقيس سعيد وعبد الفتاح عمر وغيرهم.

 

لكن صيحاتهم لم تلق آذانا صاغية حيث تواصل العمل داخل المجلس التأسيسي بصفة اعتباطية وتواصل سن القوانين التي يظهر جليا منها – في عديد الحالات– خرق واضح للمبادئ الدستورية العالمية وأيضا للمبادئ التي بنيت عليها الدولة التونسية الحديثة والتي من المفروض أن لا يقع الحياد عنها بل العمل على تطويرها في المستقبل.

 

ويتفق هؤلاء حول حتمية تكريس مبدأ مراقبة دستورية القوانين وذلك عبر إحداث هيئة قضائية مستقلة تعنى بهذه المسالة وتدافع عن الحريات الأساسية، وتتمتع بالاستقلالية التامة.

 

ويبقى الأمل اليوم في المحكمة الدستورية التي سيقع إنشاؤها بنص الدستور الجديد لتنظر مستقبلا في مدى دستورية القوانين التي وقع سنها من قبل المجلس التأسيسي طيلة الفترة الماضية.

 

فالقضاء الدستوري مؤهل للنظر في دستورية القوانين النافذة والسارية المفعول (بعد المصادقة عليها) ومخوّل له إلغاء القوانين غير الدستورية النافذة إذا ما ثبتت عدم دستوريتها إلى جانب النظر في دستورية القوانين بصفة قبلية ، أي عندما تعرض عليه قبل إحالتها على التصويت داخل البرلمان.

 

ويبقى هذا هو الأمل الوحيد في تونس بما أن الدستور الذي يقع إعداده حاليا سيتضمن بلا شك إشارة إلى القضاء الدستوري وبالتالي فإن الهيكل الذي سيقع تكليفه بهذه المهمة سينظر لاحقا في دستورية كل القوانين التي سنها المجلس التأسيسي بلا رقابة وله القدرة على إلغائها أو المطالبة بتعديلها.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.