“أعتذر” بقلم سفيان الشورابي

أعتذر علناً أمام كل من يطّلع على نص هذا العمود الصحفي، عن سلوك سابق اكتشفت بمرور الوقت أن ما كان أن يكون…



“أعتذر” بقلم سفيان الشورابي

 

أعتذر علناً أمام كل من يطّلع على نص هذا العمود الصحفي، عن سلوك سابق اكتشفت بمرور الوقت أن ما كان أن يكون.

 

أعتذر على كل كلمة وحرف كتبه في مقال قبل يوم 14 جانفي 2011، للدفاع عن ناشط اسلامي تعرض إلى مظلمة. أعتذر أمامكم، على كل جهد سخّرته قبل ذلك التاريخ من أجل التنديد بسجن أو تعذيب أتباع الحركة الاسلامية. أعتذر عن إيماني بأن الحرية يجب أن تشمل الجميع حتى الذين لا يؤمنون بها. دافعت جاهداً، من أجل أن تنسحب الحرية السياسية على الجميع، بمن فيهم حتى الذين يستنبطون في ايديولوجياتهم مبدأ الاقصاء. حقيقةً، لم أقتنع بضرورة التحالف معهم، ولكن كنت أرفض أن يُسجنوا أو يُعذّبوا لمجرد اقتناعهم بمشروعهم الفكري.

 

لقد آمنت حينها أن الحرية السياسية يجب أن تطال الجميع دون استثناء. آمنت أن الاختلاف السياسي والفكري هو حالة صحية تشق كل المجتمعات، وأن الزج بالسجون لكل من يحمل رأي أو فكرة مغايرة هو سلوك مرفوض ومنبوذ. آمنت أن الأطراف التي قد نختلف معها في البدائل يمكن أن نتفق معها في ما اعتبرته من البديهيات والأساسيات؛ قيمة الحرية.

 

آمنت في ذلك الوقت، وفي غفلة وعن حسن نية، أن المبادئ المشترك حولها تتجاوز الأفكار المختلف عنها. اعتقدت أن ناشط اسلامي -نهضاوياً كان أم سلفياً، هو شريك في بناء الوطن، وأن الانتماء إلى نفس البلد يوحّدنا ويغض النظر عما يفرقنا. ذهب بي الظن أن الاسلاميين ليسوا غرباء عن مجتمعنا، وانما هم أبناء المحيط الثقافي التونسي الصرف، ومهما نهلوا من المرجعيات الفكرية الوافدة من أصقاع أخرى، فسيضلون أوفياء لخصوصيات نمط مجتمعهم.

 

تخيلت آنذاك، أن مناخ من الحرية سيكون كفيل لوحده، بالتقليص من حدة التباينات، وأن الحوار بين جميع الأطراف سيكشف مكامن الالتقاء بينهم.

تصوّرت دائماً، أن اسلاميي تونس هم ضحايا غطرسة نظام سياسي لم يفهم أن الاسلام السياسي لم يكن سوى فكرٍ نشأ في ظل مناخ قمعي ومستبد، وأن تطوره نحو الاعتدال هو مصيره المحتوم بعد أن ينقشع مناخ الترهيب وخنق الحريات.

ودُحر الارهاب بسقوط النظام. ثم انكشفت، تدريجياً، ذلك الوجه الخفي لمجموعات تُحسب للاسلاميين كنت أعتقد أن أمثال أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم لا توجد إلا في دول ومجتمعات تلبس غطاء الدين الاسلامي لتُمارس الاستبداد بإسم الله.

 

دعوات إلى القتل وهدر دماء. إرهاب فكري. استهداف للثقافة والمثقفين. "أفغنة" نمط حياة المجتمع. تشكيل مليشيات عسكرية وتكوين مجموعات مسلحة. هذا ما أصبح يتّبعه الاسلاميون، بمختلف أطيافهم، فجر الثورة التونسية.

 

فكان يكفي أن تنزاح جميع العوائق أمام انتشارهم، حتى جعل الاسلاميون من محاربة الأفراد والمجموعات التي ساندت حقهم في التمتع بمبدأ الحرية، أحد أبرز أهدافهم. وأصبحت المنظومة القيمية والفكرية التي يؤمن بها أمثالي محل استهداف منهجي من طرفهم. وتحول المدافعين عن الحرية إلى أعداء للاسلاميين وجب القضاء عليهم، ولو استدعى الأمر تصفيتهم جسدياً.

 

الاسلاميون الذين التاعوا بنيران الطغيان، نزعوا، اليوم، دور الضحية وتقمصوا شخصية المستبد. فاكشتفت الوجه الذي طالما توهمت أنه لن يجد له موطئ في بلدي. فأكثر المتضررين من انعدام الحرية سابقاً أصبحوا الآن من أشرس الناس الذين يُطالبون بوضع حدود لها. وهم الآن الذين يتصدرون المهام القذرة للتهجم المباشر ضد كل من ساندهم في سنوات الرصاص.

 

اسلاميو بلدي نكروا جميل من ساندهم أيام المحن. وبصقوا على أيدي من كان لهم سبباً في تمتعهم بحريتهم. ليس في الأمر أي جميل أو مزية. فمن يؤمن بالحرية للجميع فإنما يؤمن بها في ذاتها. أما نكرة المعروف من التيارات الاسلامية، فإنهم يؤمنون بها إلا كوسيلة للانقلاب عليها لاحقا. ونحن نعيش أطوراها حالياً.

 

أعتذر لكم ولنفسي، عن سذاجتي وسلامة مقصودي، عن طيبتي وسطحيتي. لقد رأيت فيهم، سابقاً، تونسيين يتوقون للتحرر لفائدة البلد. ولكن أرى فيهم، الآن، أشراراً يُطالبون برأسي. فإمسحوا عني، اياها الشعب، هذه الخطيئة، حتى يطمئن قلبي.

 

سفيان الشورابي (صحفي)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.