ما هكذا تورد الإبل.. أيها الشيخ المرشد

لعلّ أهمّ ما سمعناه من الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الحاكمة وسط أنصاره في شارع الحبيب بورقيبة، أو شارع الثورة كما سمّاه !؟، وصفه حركته بالعمود الفقري للوطن وهو ما يجعل من النهضة المكوّن السياسي الذي لا تقوم تونس ولا تستقيم من دونه…



ما هكذا تورد الإبل.. أيها الشيخ المرشد

 

 لعلّ أهمّ ما سمعناه من الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الحاكمة وسط أنصاره في شارع الحبيب بورقيبة، أو شارع الثورة كما سمّاه !؟، وصفه حركته بالعمود الفقري للوطن وهو ما يجعل من النهضة المكوّن السياسي الذي لا تقوم تونس ولا تستقيم من دونه.

 ففي قول الشيخ هذا ما يجيز التأكيد على أنّه وأنصاره ومريدوه لا يعترفون بأن تونس قد كانت على مر تاريخها قبل وصول جماعته إلى الحكم سوى جسدا رخويّا لم يستقم قطّ. فإن اعتمدنا جدلا هذا المجاز اللفظي فلنا أن نتساءل إلى أين تسير النهضة بهذا الوطن بعدما استوى بها وتبيّن له أفق مصيره؟

 لا يغرّنّ المواطن أو الملاحظ ما تبديه النهضة من حركية وانشغال بما يتراءى للتونسي على أنه سعي وراء "تحقيق أهداف ثورته" وإصلاح ما خلّفته عشريّات الدكتاتورية من فساد واهتراء لمؤسسات الدولة. فليس ذلك إلّا مناورة أو تكتيكا وتمهيدا لمحطّة فاصلة تبوّئها السلطة على امتداد زمني أرحب لا ينازعها منازع الشرعية فيه. عندها فقط ومع منحها ثانية صكّ الشرعية الانتخابيّة التي طالما اعتبرتها الصيغة الوحيدة لتبرير بسط يدها على السلطة وعلى هياكل الدولة، تكون النهضة في حلّ من كلّ ما يمكن أن يمارس عليها من ضغوط من قبل المعارضة والإعلام والشارع والمجتمع المدني، ليتحوّل بعدها عملها السياسي المحلّي إلى خدمة علنية لمشروع أممي سخّرت نفسها لتكون لاعبا أساسيّا في تحقيقه.

 

لا يندرج هذا القول في ما يمكن أن يوصف بالقراءة التآمرية بل إنّه أمر تذكره أدبيّات الإسلام السياسي المختلفة تنظيماته. هذا وإذا تفحصنا محاور قوّة هذا الفصيل السياسي فإننا لا نجد فيه ما قد يرقى إلى مناقب البعض الآخر من الفصائل غير الإسلامية، إن على مستوى الطرح الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو حتّى الديني، إن لم نقل الديني خاصة. بقي أن نقول إنّ قوّة هذا الفصيل لا يمكن أن تكون مستمدّة من مخزون نظري قد بلغ من الثراء ما قد يكفل بقاءه رقما صعبا داخل المعادلة السياسية في تونس، ما لم يكن حلقة من حلقات مخطّط عالمي يسعى إلى احتواء الثورة التونسية التي شكّلت أوّل تحدّ في وجه العولمة في هذا القرن. لم يكن على حركة النهضة ومن يدور في فلكها من أحزاب وجماعات دينية أن تتسلّل إلى مشهد ما بعد 14 جانفي وتتصدّره، لا من خلال تقديم بدائل اقتصادية واجتماعية وثقافية قد يحلم معها التونسي بغد ينسيه عهود الاستبداد والفقر والتبعية، بل عبر اللعب على وتر الوجدان الهووي الديني كما لو جاءت تحمل مشروع إنقاذ معرفي ثوريّ يتضمّن كلّ الحلول الآنيّة والمستقبليّة. لا تبدو القيادة النهضوية على وعي تامّ بعمر هذه السياسة التي لا قاهر لها غير الدولة المدنية الديمقراطية نفسها، تلك التي تأبى أن تديرها الخدع والمناورات. أمّا وقد شهدت تونس اليوم هزات عصفت بحكومة زعم أحد قيادات الحركة أنها "أقوى الحكومات في تاريخ تونس على الإطلاق" فقد آن للنهضة أن تؤوب إلى رشدها لتستعيد مكانها فتنصاع إلى مبدأ الواقعية السياسية وتنخرط في مؤتمر وطني يقي الثورة ويقيها من نهم المنتصرين وزهوهم عند كلّ فوز انتخابي. فلا الخطاب الناري ولا الحشد المفبرك المؤجّر بقادريْن على ضمان بقاء أعتى القوى مع شعب أيقن العالم كلّه أن لا غالب له غير الله.

 

بقلم يوسف الصديق

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.