تونس : الاقتصاد الوطني يترنح بين أزمة هيكلية وأزمة كبرى في العقليات

لم يعد خافيا على أحد أن استفحال الأزمة السياسية في البلاد وغياب أي رؤية واضحة للمستقبل قد زادت من عمق انحدار الوضعية الاقتصادية المهترئة بطبعها منذ أوائل الثورة. ومما يعمق …



تونس : الاقتصاد الوطني يترنح بين أزمة هيكلية وأزمة كبرى في العقليات

 

لم يعد خافيا على أحد أن استفحال الأزمة السياسية في البلاد وغياب أي رؤية واضحة للمستقبل قد زادت من عمق انحدار الوضعية الاقتصادية المهترئة بطبعها منذ أوائل الثورة. ومما يعمق التأزم الاقتصادي علاوة على تآكل تأطير الدولة والتضخم البيروقراطي المتواصل تفشي عقليات الفساد والتواكل والتنصل من المسؤولية والتهرب الضريبي وسرقة الدولة التي أصبحت الممارسات الأكثر تداولا بين التونسيين اليوم…

يقول الشاذلي العياري ، محافظ البنك المركزي في مقابلة أجرتها معه هذا الأسبوع في لندن جريدة الشرق الأوسط : "  لابد من الوعي بضرورة إنقاذ الاقتصاد مع نهاية 2013 من الانهيار وأرى أن الأمر متأخر وقد طلبت هذا منذ ثلاثة أشهر، وكل يوم يغيب الحل الاقتصادي يصبح كارثة على السياسة، وقد تصل تونس مع نهاية 2013 إلى وضع كارثي، اليوم ما زلنا متماسكين إلى حد ما. اليوم نحن في وضع حرج جدا، ولا حل سياسيا لدي بحكم أني مستقل…"

وهذا ما يلخصه الاقتصادي الكبير في الحكومة الانتقالية التي يرأسها علي العريض ولكن كلام العياري يقابله كلام سياسيوي كثير مثل تصريحات نورالدين البحيري الذي أعلن بأن الوضع الحالي أقل كارثية مما كان عليه إبان حكومة السبسي أو الجبالي…

المواطن الذي يعيش الازمة الاقتصادية في حياته اليومية يدرك جيدا معنى التضخم المتزايد ومعنى انخرام نظم الخدمات العمومية ومعنى الزيادات المتتالية في المرافق العامة مثل النور والماء والتطهير واللوازم المدرسية …ويدرك أيضا تفاقم الفساد في الإدارة العمومية بدأ بالبلديات العاجزة عن العمل مرورا بعديد الإدارات المتوقفة أو التي أصابها وباء الرشوة والفساد والمحسوبية في غياب أية رقابة إدارية كانت أو سياسية أو حتى أمنية … 

أما رجال الأعمال فإن من واصل منهم العمل رغم الظروف الصعبة ورغم انسداد وضبابية الأفق يحملون شعورا باليأس يتزايد يوما بعد يوم. وقد أجرى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات المعروف بجديته دراسة شاملة عن مناخ الأعمال تظهر إحساسا حادا بالأزمة وعمقها لدى رجال الأعمال الذين يعتبرون أن الأزمة السياسية أشد خطورة وأعمق وقعا على الاقتصاد الوطني وعلى المؤسسات من التهديدات الأمنية والإرهاب. وقد أبدى أكثر من 88 بالمائة من رؤساء المؤسسات المستجوبين في سبر للآراء قام به المعهد والمركز التونسي للمتابعة والذكاء الاقتصادي بين جويلية وأوت المنصرم , تشاؤما مذهلا حول المستقبل معتبرين مثلما قاله الشاذلي العياري أن نهاية السنة ستكون أشد سلبية مما هو عليه الوضع اليوم وأن النمو المتوقع قد يكون سلبيا بدرجة أكثر من 0,5 بالمائة …ويعتبر 75 بالمائة من المستجوبين أن تأثير الأزمة السياسية سيكون مرتفعا جدا على المؤسسات جميعا…

ومما يزيد من خطورة الموقف مع تواصل الأزمة السياسية الاخلالات البارزة في عقليات التونسيين والتي يمكن تحليلها وتفسيرها بناء على معطيات عدة منها غياب الديمقراطية والحرية والنفور من الشأن العام وازدراء الدولة نكاية في الحاكم. وقد سارع العديد من السياسيين والمفكرين السياسيين في الأيام الأولى لسقوط نظام بن علي البوليسي إلى لفت الانتباه إلى أن الثورة التونسية لن تعطي أكلها ولن تنجح بجدية ما لم ترافقها مراجعة شاملة للعقليات لا يمكن القيام بها إلا بالقيام بثورة ثقافية تبدأ  من المصارحة الحقيقية بعيوب المجتمع الذي تربى على ممارسات ومقاربات ابتدعها لمهادنة  النظام الديكتاتوري مرورا بابتداع أدوات العلاج الجماعي لهذه الظواهر والتي تتطلب الوقت والجهد والشجاعة السياسية. وهذا ما لم يتوفر إلى حد الآن مع الأسف…

علي الشتوي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.