أمام تفاقم المد الإرهابي: القوادة أو الوشاية تصبح واجبا وطنيا

تعالت في الآونة الأخيرة أصوات المسؤولين الحكوميين وفي مقدمتهم وزير الداخلية والمسؤولين الأمنيين وعدد من رؤساء الأحزاب ومكونات المجتمع المدني بضرورة تضافر الجهود من اجل مكافحة الإرهاب والتوقي من استفحاله مشددين على أن أول خطوة في القضاء على المد الإرهابي هو الإبلاغ بسرعة عن كل …



أمام تفاقم المد الإرهابي: القوادة أو الوشاية تصبح واجبا وطنيا

 

تعالت في الآونة الأخيرة أصوات المسؤولين الحكوميين وفي مقدمتهم وزير الداخلية والمسؤولين الأمنيين وعدد من رؤساء الأحزاب ومكونات المجتمع المدني بضرورة تضافر الجهود من اجل مكافحة الإرهاب والتوقي من استفحاله مشددين على أن أول خطوة في القضاء على المد الإرهابي هو الإبلاغ بسرعة عن كل التحركات المشبوهة و المسترابة التي تأتي أعمالا غير عادية تثير الريبة والشك بمعنى آخر التشجيع على الوشاية أو ما اصطلح عليه في المصطلح الشعبي التونسي "القوادة".

إذن "الوشاية" أو "الصبّة" أو "القوادة" لن يكون لها في مثل هذا الظرف الحساس معنى سلبيا ودليل على الجبن و ضعف الشخصية بل أضحت مفاهيم وممارسات مُحبّذة في السلوك الجماعي للتونسيين من أجل هدف واحد وواجب مشترك ألا وهو مقاومة المجموعات الإرهابية بالإبلاغ عنها وعدم التستر عليها.

ولطالما ترتبط الوشاية عادة بالمجال الأمني لإعلام أو إخبار الجهاز الأمني عن مسألة معينة أو حادثة أو الإبلاغ عن مجرم متخفي أو معارض للنظام جار البحث عنه ولم يتوفق الجهاز الأمني في القبض عليه، وفي هذه الحالة فإن مجموعة المُخبرين التي تتعامل مع السلطة تسهّل هذه المسألة.

ومن ضمن نجاح العديد من الأنظمة الدكتاتورية ومن بينها تونس في عهد الرئيس السابق كانت مقاييس الحكم من قبضة حديدية، التعويل بدرجة كبيرة على الوشاية لاسيما في المجالين الأمني والسياسي بدرجة أولى. فكم من مجرم أو معاد للنظام أو حتى شخص ذي مرجعية إسلامية أو منتمي إلى تيار إسلامي أو يساري تم الإبلاغ عنه وعن تحركاته بواسطة شبكة المخبرين التي غرسها النظام في جميع المناطق إلى حدّ أنه في عهد الرئيس السابق كان المواطن العادي الذي يريد الخوض في المجال السياسي وأوضاع البلاد يحتاط كثيرا ويلتفت من حوله لعل أحدا من المختصين في الوشاية يترصّده.

ما قادنا إلى الخوض في موضوع الوشاية أو "القوادة" في هذا الظرف بالذات هو ما تمر به البلاد من أوضاع أمنية هشة وبخاصة تفاقم المدّ الإرهابي الذي نزل بثقله في الأيام القليلة الأخيرة من اقتصار عملياته في جبل الشعانبي بقتل 8 جنود تونسيين والتنكيل بجثثهم وعمليتي قبلاط وسيدي علي بن عون ومنزل بورقيبة باغتيال 9 من أعوان الحرس الوطني علاوة على وصول الجماعات الإرهابية إلى تهديد مباشرة المدن عبر حادثتي سوسة والمنستير الأسبوع الفارط و التهديد المباشر للمدنيين عبر محاولة القيام بتفجيرات.

أمام هذا الوضع الصعب و المتأزم والمُنذر بتفاقم الإرهاب وتعقّد الوضع العام في البلاد، يتوجّب "التشريع" الأخلاقي قبل كل شيء للوشاية أو " القوادة" للتصدّي للخطر الداهم والمُحدّق بتونس بعد الثورة واعتبار الوشاية واجبا وطنيا وخدمة لمصلحة البلاد من منطلق أن الإبلاغ للسلطات الأمنية والجهات المختصة عن التحركات المُريبة والأشخاص المثيرين للشبهة في تصرفاتهم وتحركاتهم، لا يُعتبر أمرا سلبيا أو خيانة أو تقليل من شهامة المواطن المُخبر بل واجبا وطنيا وسلوكا متحضّرا و ينم عن وعي ووطنية عاليين وحب لتونس الملدوغة بنار الإرهاب.

إن العديد من الدول المتقدمة التي مرت بظروف مشابهة أو في حالة حرب عوّلت بقدر كبير على وطنية المواطنين الصادقة من أجل التصدي بالمخاطر التي تحيط بها وحتى في حالة السلم ولاستقرار الأمنية والسياسي فإن المواطن في هذه الدول يُبلغ عن أبسط التحركات كردة فعل عادية وحضارية تجاه تطويق الجريمة في مفهومها الشامل.

وبالتوازي مع الدور المهم للمواطن فإنه على الجهات الأمنية المختصة مزيد تفعيل آلياتها وتطوير أسلوب عملها لمقاومة الإرهاب واستباق العمليات وإحباطها وفي هذا السياق شدّد العديد من المحللين السياسيين على وجوب إحداث جهاز وطني للاستخبارات والاستعلامات يجمع كل الأجهزة في شكل مغاير لجهاز أمن الدولة الذي تم حلّه بعد الثورة والذي شكّل من ضمن الأخطاء التي تم ارتكابها.

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.