إعلان حرب..

ما كان أسخى هذه الحكومة القائمة وهي تهَب لخليفتها المرتقبة هديّة ملغومة ستنفجر تحت كراسي وزرائها فور توكّلهم على اللّه للبدء في الشغل.
ميزانيّة 2014، وقانون الماليّة لذات العام هو الديناميت الذي سيفجّر كلّ وضع اجتماعي بين يديْ حكومة قادمة يقول الفرقاء والوسطاء إنّهم سيُسْندونها، وإنّهم سيوفّرون لها مناخا من التهدئة حتّى تضطلع بمهامّها المعلّقة عليها….



ما كان أسخى هذه الحكومة القائمة وهي تهَب لخليفتها المرتقبة هديّة ملغومة ستنفجر تحت كراسي وزرائها فور توكّلهم على اللّه للبدء في الشغل.

ميزانيّة 2014، وقانون الماليّة لذات العام هو الديناميت الذي سيفجّر كلّ وضع اجتماعي بين يديْ حكومة قادمة يقول الفرقاء والوسطاء إنّهم سيُسْندونها، وإنّهم سيوفّرون لها مناخا من التهدئة حتّى تضطلع بمهامّها المعلّقة عليها.

يكاد الخبراء الاقتصاديّون والماليّون يتّفقون على أنّ هذه الميزانيّة تعتبر بمثابة إعلان حرب على الشعب المنهك بغلاء الأسعار وتدنّي الأجور، وبمثابة رصاصة الرحمة تُطلقها على الدولة المترنّحة تحت وطأة المديونيّة، واختلال التوازن الاقتصادي، وضعف الموارد، وشحّ الاستثمارات، وتعطّل التنمية، وازدياد البطالة…

لا تكاد شاشة تلفزيونيّة ولا إذاعة ولا منبر إعلامي يخلو، هذه الأيّام، من الطلعة البهيّة للسيّد وزير الماليّة، وهو يشرح ببرودة يُحسد عليها وجاهة التخلّي المشطّ للدولة عن دعم الموادّ الأساسيّة، وعن ضرورة الزيادة في حجم الضرائب والإتاوات والجبايات المسلّطة على المواطن الكريم، وعن نجاعة الترفيع في الأداءات الموظّفة على المؤسّسات الوطنيّة منها والأجنبيّة. كما لا يفوت الوزير "العادل"، في الوقت نفسه، أنْ يبيّن وبالأدلّة "الدامغة" الحاجة إلى الترفيع من المخصّصات الماليّة لرئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة والمجلس التأسيسيّ !

يفترّ ثَغر الوزير السعيد إلياس الفخفاخ وهو يقول إنّ الدولة التونسيّة تقترض لتطعم شعبها الحبيب عبر دعم الموادّ الأساسيّة. وهذه المعلومة الفكاهيّة لدى الخبراء العبوسين خدعة مضلّلة، فأموال الدعم ليس لها علاقة بالمديونيّة، ولكنّها تتأتّى من موارد الدولة الجبائيّة. والمواطن هو الذي يدفع أموال الجباية بنسبة 82 في المائة فيما تدفع المؤسّسات 18 بالمائة المتبقّية. وهذا عقد اجتماعي ومدني بمقتضاه يدفع المواطن الضرائب والجباية للدولة نظير قيامها بواجباتها إزاءه، وعلى رأسها حمايته الجسديّة والمعنويّة، وبما فيها دعم طاقته الشرائيّة من الموادّ الأساسيّة. أمّا أن يدفع المواطن الضرائب المجحفة، وينوء تحت كلكل الأداءات المثقلة دون أن يلقى من الدولة تلك الحماية ولا ذلك الدعم بل بالعكس يستمرّ إذلاله وتفقيره وإثقال عاتقه بغلاء الأسعار وشَطط الأداءات فتلك، إذا، قسمة ضِيزى !

قد يغيب عن أذهاننا أنّ حكومات ما بعد "ثورة الكرامة والحرّية" تغرق في المديونيّة الخارجيّة وهي تلهث باستمرار ومنذ 14/01/2011 لخلاص ديون نظام بن علي ! نعم. ولا علاقة مباشرة للتداين الخارجي بموضوع الدعم على المواد الاستهلاكيّة والأساسيّة. بل إنّ هذه الحكومات الطيّعة والحسنة السيرة تستدين لتدفع الديون المتخلّدة عن النظام السابق وعن المستفيدين منه. وبعض هؤلاء المستفيدين ما يزال يتمتّع بما نهب من خيرات عموميّة اغتصبها دون أن يكون اليوم موضوع مساءلة ولا محاكمة ولا استرداد لما حاز دون وجه حقّ. دع عنك قانون العدالة الانتقاليّة الراقد في وزارة بذات الاسم، ليقع استبداله عرفيا بعدالة انتقائيّة أو انتقاميّة أو بالابتزاز والمساومات تحت الطاولة وفي الغرف المغلقة. قانون مثل ذلك انتظرناه لعاميْن ومازلنا، ليفاجئنا مجلسنا التأسيسيّ الموقّر من حيث لا نحتسب بعرض قانون للأوقاف يتيح العودة إلى نظام الأحباس الذي حُلّ منذ أكثر من خمسين عاما !!

قبل مائة وخمسين عاما وبالتحديد سنة 1864 خرج التونسيّون خلف باي الشعب علي بن غذاهم في أشهر الثورات بالبلاد التونسيّة في العصر الحديث. كانت ثورة العربان أو ربيع العربان – كما تسمّت – إفرازا لعوامل متعدّدة أهمّها إثقال السكّان وخصوصا سكّان الدواخل بالأداءات المجحفة والجبايات والإتاوات والمكوس عملا بشعار مهندس تلك الزيادات المملوك اليوناني الأصل مصطفى خزندار صاحب الوزارة الأولى ووزارة الخارجيّة ووزارة الماليّة ونسيم بيشي شمامة قابض ماليّة الدولة التونسية – شعارهما الذي يقول: العربي إذا قطعت رزقو قصّيت راسو !

كان ذلك في عهد دولة محمّد الصادق باي حين أشرفت البلاد على الإفلاس، والسلع والحبوب على النفاد، واستثرت بطانة الباي من الصفقات المشبوهة، وطفق الناس في تخزين البارود وتجميع السلاح..

والتاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار، وفي باطنه نظر وتحقيق..

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.