تونس- الصحافيون ومؤسسات الإعلام وأسئلة المراجعة الكبرى بعد الثورة

الضجة التي أثيرت من قبل المهنيين في قطاع الإعلام حول كراسات الشروط التي اقترحتها الهيئة العليا للسمعي البصري تحمل الكثير من الصواب كما أنها تحمل أيضا الكثير من التجني…وهذا في الواقع غير مستغرب البتة في مشهد سمعي بصري وإعلامي بصفة أعم تتضارب فيه المصالح والمواقف في غياب الوضوح الشامل المرتجى في مثل هذه الملفات المتشعبة والملتهبة…



الضجة التي أثيرت من قبل المهنيين في قطاع الإعلام حول كراسات الشروط التي اقترحتها الهيئة العليا للسمعي البصري تحمل الكثير من الصواب كما أنها تحمل أيضا الكثير من التجني…وهذا في الواقع غير مستغرب البتة في مشهد سمعي بصري وإعلامي بصفة أعم تتضارب فيه المصالح والمواقف في غياب الوضوح الشامل المرتجى في مثل هذه الملفات المتشعبة والملتهبة…

إن الطفرة الإعلامية التي نتجت عن الثورة، والتي تظل في الواقع وإلى حد الآن أبرز مكتسباتها ، اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقال ولم تستوف بعد مخاضها…وإنه معروف أن عديد المؤسسات الإعلامية المتصدرة للمشهد والتي يعلو صراخها كل مرة لا تزال تتعامل مع المادة الإعلامية ومع الصحافيين ومع الرأي العام تعاملها معه عندما كانت تأتمر بأوامر الوزير المستشار عبد الوهاب عبد الله…كما أن عديد الصحافيين ومسييري وسائل الإعلام كانوا في الأمس القريب رأس حربة نظام بن علي الإعلامية بل أن منهم من تقلد مناصب عليا للغاية في وكالة الاتصال الخارجي وفي دوريات معروفة في ذلك العهد ونجدهم قد عادوا من النافذة بعد أن خرجوا من الباب ليتصدروا اليوم المراكز الأمامية في جرائد وتلفزات يعيدون فيها رسكلة تجربتهم النوفمبرية في خدمة هذا الطرف أو ذاك…

بعد 14 جانفي انطلقت العديد من الأصوات المغلولة ولا شك ولكن أصواتا أخرى سارعت إلى قاعة العمليات وأجرت عمليات سريعة لاستعادة العذرية واستبدلت الصوت القديم بصوت جديد وهي اليوم تصول وتجول وتفتي كما تشاء بعد أن غاب "مالك عن المدينة" كما يقال…

ومن المتفق عليه أن القطاع الإعلامي سمعيا وبصريا ومكتوبا والكترونيا موبوء اليوم بألف وباء وأن ما نطمح إليه من مشهد إعلامي متطور ديمقراطي وتعددي لن يأتي من فراغ وأنه يستوجب بالضرورة مرحلة مراجعة وإعادة بناء على غرار مرحلة العدالة الانتقالية أو عبرها لا تستنكف من طرح كل الأسئلة دون مواربة ولا تستنكف من توجيه الإتهام دون مراوغة … كما لا تستنكف من المطالبة بجبر الضرر إن ماديا أو معنويا …

• يجب أن نطرح أولا مسألة التكوين المهني للصحافيين في تونس اليوم ويجب أن نساءل تجربة معهد الصحافة وقد سبق أن بحثها واستجوبها ووقف على عاهاتها المزمنة باحثون مقتدرون يجب أن نسمع اليوم ما كانوا يقولون دون أن يهتم لهم أحد؟

• يجب أن نسأل اليوم الإرث الذي ورثناه من نظام بن علي وأن نبحث وضعية المؤسسات الإعلامية التي غرفت من أموال وكالة الاتصال الخارجي لسنين طوال وبأرقام مفزعة ونبحث ماذا قدمت هذه المؤسسات للبلاد ولصحافييها وللإعلام ومن بعد ذلك لأصحابها…ونحن نعلم أنه طيلة أكثر من 23 سنة لم نسمع بمؤسسة إعلامية أفلست أو أعلنت عجزها كما نعلم أن البعض من أصحاب هذه المؤسسات كانوا في وضع وأصبحوا في وضع آخر…"والفاهم يفهم"…

• لا يمكن أن يكون التعامل مع المؤسسات الإعلامية إلا بالمساواة أمام القانون وبالتالي فإن أية شروط تطالب بها المؤسسات الجديدة يجب أن تنسحب على الجميع مع مراعاة الفوارق الموضوعية والبحث عن آليات للتعويض..

• إن الدفاع عن حقوق الصحافيين كاملة أجورا وتغطية اجتماعية وظروف عمل من صميم أسس إقامة نظام إعلامي متقدم ولا يمكن بشكل من الأشكال القبول بوضعيات أقل ما يقال فيها أنها غير قانونية وغير لائقة انسانيا من قبيل الأجور الزهيدة والمخفية واستكتاب العديد من غير المختصين في مجال الصحافة. كما أن السؤال المهني هذا يتطلب من جهة أخرى أن نحدد أيضا ومثل ما هو جار به العمل في عديد البلدان وضعية الصحفي القار والصحفي العرضي والصحفي المتعاون …

• يجب أن نطرح بصراحة موضوع التمثيل النقابي وأن نقطع مع مواقف ماضوية انتهت بنهاية ظروفها وهذا يتطلب تحديد ماهية العمل الصحفي وما ارتبط به (الكتابة والبحث والتمحيص ) وماهية العمل التقني وقد أصبح يأخذ مكانا يتوسع كل يوم
• بغض النظر عن الطريقة الفجة التي انتهجتها رئاسة الجمهورية في تعاملها مع ما يسمى القائمة السوداء فإن من حق الجمهور على الصحافيين المصارحة والمحاسبة على سنوات بن علي مثلما هو الشأن في كل المجالات ومن واجب من أخطأ الاعتذار علنا ومن واجب من أجرم الاعتراف بذنبه وتحمل نتائجه عبر آليات العدالة الانتقالية ولعل أكبر عقوبة يمكن أن تسلط على الصحفي هي حرمانه من الكتابة والتشهير به إن استحق ذلك…

هذه بعض الأسئلة التي من الواجب على كل المهنة اليوم طرحها وتمحيصها مع أسئلة أخرى عدة استوجبها طرح كراسات الشروط ولا يمكن البتة للهيئة العليا المستقلة للسمعي البصري وحدها فعل ذلك ولكن الأمر يستوجب تنظيم ندوة وطنية كبرى حول الإعلام ومشاغله بمشاركة الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة علاوة على ممثلي المهنة والصحفيين بصفة عامة والكثير منهم غير منتظم في الهياكل التنظيمية في القطاع…

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.