أطفال الشوارع فى تونس : دور الدولة مهم فى معالجة الظاهرة

 

تحرير راقية السالمى ونحن فى بداية موسم دراسى جديد تتسابق خلاله العائلات التونسية على اقتناء حاجيات أبنائها المدرسية من كراسات وكتب وميداعات ومحفظات وتسعى فيه الى ادخال جو من البهجة والفرحة التى ترافق الاستعداد للعودة الى مقاعد الدراسة فى هذا الوقت يشعر عدد أخر من الاطفال بنوع من السخط الممزوج بالالم والحسرة والوجع بما أنهم يجدون أنفسهم خارج هذه الدائرة وغير معنيين بهذه الفرحة بفعل الاوضاع الاجتماعية الصعبة التى يعيشونها ليكون الشارع ملاذهم ومهربهم بدل قاعات الدرس.

هم أطفال عوض أن تراهم أمام واجهات المكتبات والمغازات لاقتناء ما يروق لهم من الادوات المدرسية تجدهم يتزاحمون داخل عربات القطار أو الميترو الخفيف أو فى حافلات النقل أو حتى على قارعة الطريق يتسابقون لعرض وبيع مناديل ورقية أو علك أو كتب أذكار دينية يتنقلون من مكان الى أخر وفى كل الظروف المناخية بحثاعن لقمة العيش.

ورغم مصادقة تونس على اتفاقية الامم المتحدة لحقوق الطفل واصدار مجلة حماية الطفل وتنقيح العديد من القوانين لتحسين الوضعية القانونية والمدنية للطفل فى مختلف المجالات واصدار العديد من الاوامر والقرارات واحداث خطة قاضى الاسرة وقاضى الاطفال وتعميم سلك مندوبى حماية الطفولة كل هذا لم يمنع من انتشار ظاهرة أطفال الشوارع بل وفى استفحالها خلال السنوات الاخيرة.

ويقر العديد من المختصين والخبراء فى مجال الطفولة وخاصة الطفولة الشاردة أن اقتحام هذا العالم من الامور المعقدة والمتشعبة اذ لم يبق من هذه الطفولة غير الكلمة والغائب الاساسى هو الطفل نفسه فليس هناك ما يحيل اليه الا السن وقصر القامة أما الممارسة فهى أقرب الى الكهولة وهذا القفز فوق المراحل العمرية مرده ما تواجهه هذه الفئة من قمع اجتماعى وتفكك أسرى ومن حرمان.

وللتعرف أكثر على تفاصيل هذا الواقع الصعب الذى يعيشه أطفال الشوارع حاولت أن تلتقى عددا منهم للتعرف على الاسباب التى دفعتهم للانفصال عن عائلاتهم واختيار الشارع مكانا للارتزاق نهارا وللنوم ليلا فى عديد الاحيان.

//اليتم والفقر والتفكك الاسرى وراء هروب الاطفال للشارع// وحيد. قامته ملامحه هيئته كلها توحى بانه طفل لكن لسانه ينطق بغير ذلك فبين أكداس المحفظات والاقلام والكراسات المعروضة باحد أنهج العاصمة انتصب واقفا لا لاقتناء أدواته استعدادا للعودة المدرسية كباقى أترابه وانما لاقناع المارة بجودتها وبأسعارها المعقولة حتى يقبلوا على شرائها لابنائهم.

بعد محاولات عديدة وبعد تمنع بداعى الانشغال بالعمل انطلق لسان وحيد ليحدثناعن الظروف التى دفعت به الى هذا المكان.
تحدث مطأطى الرأس قائلا اليتم والحاجة والصحبة السيئة كانت وراء خروجى الى الشارع.

وقتها كان البحث عن الحرية والتخلص من قيود الاقارب والاحساس بالثقة جراء المليمات التى أجنيها وراء تشبثى بالشارع الذى لا يعرفه الا من قدر له العيش فيه  وتابع كنت أتسكع فى النهار بين الانهج والمقاهى والمارة أتسول مرة وأستجدى مرات أخرى وعند المساء أبحث عن مكان بعيد عن أنظار أعوان الامن وعن مجموعات الاطفال الاخرى أتوارى فيه وأقضى فيه ليلتى مهما كان حال الطقس صيفا أو شتاء.

يقول وحيد بقيت على تلك الحال أشهر تخللتها عديد المشاكل الى أن شاءت الاقدار أن أصادف ذات يوم كهلا هو العرف الذى أعمل معه حاليا أعلمنى أنه فى حاجة لمن يعينه فى تجارته ووعدنى فى حال ساعدته أن يمنحنى راتبا شهريا يمكننى من تامين حاجياتى بعرقى جبينى كما قال لى.

منذ ذلك الحين يستطرد هذا الطفل وأنا أعمل مع هذا الشخص فى مهن تختلف باختلاف الموسم وأتقاضى نظيرها بعض المال الذى أحاول أن أرتب به حياتى،ويضيف حققت الحرية والاستقلالية المنشودة الا أن وضعى يبقى دون المامول فى انتظار ما سيجود به الزمان على 0 ذاكر ابن 14 سنة بقامته القصيرة وبجسمه الهزيل كان يحمل سلة مشموم وهو يتنقل بين طاولات احدى المقاهى المنتصبة بالرصيف المقابل للبحر بمدينة حلق الوادى فى ساعة متاخرة من الليل قال لنا طلاق والدى واستقالة أبى من التكفل بالاسرة دفع بى الى امتهان هذا العمل الموسمى لمساعدة والدتيعلى تربية أخوين اثنين 0 ويضيف ذاكر بمرارة أظن أنى سأواصل العمل حتى خلال السنة الدراسية وأفكر مليا فى ترك مقاعد الدراسة لانى لست موهوبا وحتى أخفف العبء على والدتى وأساعدها على العناية بأخوى حتى يتمكنا هما على الاقل من مواصلة الدراسة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.