مشروع قانون المصالحة الاقتصادية ” يمثل تهديدا حقيقيا لمسار العدالة الانتقالية ولابد من سحبه”

قدم ثلة من مكونات المجتمع المدني قراءة سياسية وحقوقية واقتصادية نقدية لمشروع قانون المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي مشددين على انه يتعارض مع مسار العدالة الانتقالية ويمثل تهديدا جديا وحقيقيا لهذا المسار وفق تقديرهم .

وجددوا اليوم الجمعة بالعاصمة خلال ندوة صحفية تمسكهم بوجوب سحب هذا المشروع محذرين من العواقب التي قد تطرأ في حال مصادقة مجلس نواب الشعب عليه .

ويثير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية في تونس لا سيما اثر شروع لجنة التشريع العام بالبرلمان مؤخرا في الاستماع إلى ممثلي رئاسة الجمهورية الجهة المبادرة بهذا المشروع بعد ان تقدمت رئاسة الجمهورية في سنة 2015 بمبادرة تشريعية تتمثل في مشروع المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي.

وقد اعتبر الحقوقي وعضو التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية عمر الصفراوي خلال هذه الندوة أن المشروع المعروض “سيسمح للفاسدين من الحصول على عفو مقنع من دون محاولة لكشف الحقيقة” قائلا “ان مسار العدالة الانتقالية يتطلب كشف الحقيقة والمساءلة والمحاسبة ثم الاعتذار غير أن هذا المشروع لم يحترم هذه المسارات وسيمحو كل الجرائم الاقتصادية والمالية “.

واستغرب الصفراوي إصرار مؤسسة رئاسة الجمهورية على تمرير المشروع للمرة الثالثة من دون تقديم أي تعديلات جوهرية تتناغم مع صميم العدالة الانتقالية واصفا المشروع بالجائر و المتعارض شكلا ومضمونا مع جوهر دستور الجمهورية الثانية .

وخصص الصفراوي جانبا من تدخله للتعليق على ما ورد في خطاب رئيس الجمهورية الذي وجهه يوم الأربعاء للشعب التونسي،والذي اعلن فيه عن تكليف الجيش بحماية مناطق الإنتاج حيث شدد الصفراوي على الرفض القاطع لما اعتبره “إقحام الجيش في معالجة الحراك الاجتماعي في البلاد.”

ومن جانبه قدم عبد الجليل البدوي ،الخبير الاقتصادي وعضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحليلا اقتصاديا لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية حيث اعتبر انه “لا يمكن اختزال مقاومة الفساد في إجراء مصالحة مع الفاسدين”.

وبين أن منظومة الفساد تخلق مناخا تنافسيا غير سليم مما يفرز قوانين لعبة غير عادلة وانه في حال استمرار الفساد فان الدورة الاقتصادية لا يمكن لها أن تتطور مؤكدا في هذا الصدد أن مقاومة منظومة الفساد تتطلب قبل كل شيء تفكيك هذه المنظومة ولا يكون ذلك إلا عبر قنوات العدالة الانتقالية.

واستدل على ذلك بان نسبة الاستثمار الخاص في تونس في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم تتجاوز 25 بالمائة والحال أن الدراسات تؤكد انه يجب على الأقل بلوغ معدل استثمار ب 30 بالمائة لبلوغ نسب نمو تتجاوز 5 بالمائة مشيرا أن منظومة الفساد أدت إلى تهريب الاموال إلى الخارج حيث قدر خبراء من الأمم المتحدة الثروات المالية التونسية المهربة إلى الخارج في حدود 40 مليار دولار (97 مليار دينار تونسي)

وفي سياق الرفض لمشروع قانون المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي أوضحت ممثلة المركز الدولي للعدالة الانتقالية سلوى القنطري خلال هذه الندوة أن الصيغة التي تم بها تقديم المشروع ترسخ الإفلات من العقاب ولا تحترم مبادئ العدالة الانتقالية.

وأشارت ان مبادرة تقديم المشروع الأحادية الجانب تتعارض مطلقا مع المقاربة التشاركية كما أن المصالحة لا يمكن أن تكون مطروحة من الدولة وإنما هي “عملية اجتماعية وتوافقية واسعة النطاق ” داعية الى سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية باعتباره مسقطا ويشجع على الإفلات من العقاب الى جانب تعارضه التام مع مسار العدالة الانتقالية وفق تعبيرها.

ومن جهته أفاد ممثل الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية صالح منصور أن هذا المشروع تشوبه الكثير من الاخلالات القانونية تتمثل في مخالفة أحكام الدستور والمعايير الدولية في ضبط أسس العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد كما انه “يسطو” على صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة (لجنة التحكيم والمصالحة) و لا يعيد حق الضحايا ويخرق مبادئ الحوكمة الرشيدة ويتعارض مع توصيات لجنة البندقية مجددا بالمناسبة تمسك الشبكة التونسية بالعدالة الانتقالية بسحب المشروع ودعم هيئة الحقيقة والكرامة.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.