الاتحاد والحكومة: “رياح الخريف مفتحات شتاء ساخن”..

يبدو أن تونس مقبلة على شتاء ساخن ظاهره صراع الجبابرة وباطنه حسابات انتخابية، صراع قديم جديد متجدد لاينتهي بين المنظمة الشغيلة و الحكومة ولعل شهر جانفي ظل شاهدا طيلة عقود على أشواط من رياح خريف عصفت بأعتى الحكومات…

غير أن هذه المرة الصدام بين اتحاد الشغل والحكومة التونسية اتسم بمشهد المكاسرة والتى ستكون مآلاتها خطيرة على الواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي هذا المنعرج انطلق باضراب عام في الوظيفة العمومية في 22نوفمبر الجاري وانتهي بإقرار الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل إضرابا عاما في الوظيفة العمومية و القطاع العام يوم الخميس 17 جانفي 2019 سيكلف خزينة الدولة مليارات ويربك الوضع الاقتصادي الأعرج في البلاد.

وبين الجذب و الشد و المناورة و التفاوض و التنافر تدخل البلاد في شوط سياسة كسر العظام بين الشاهد و الطبوبي في سيناريو يذكرنا بالخميس الأسود لسنة 1978 حيث اثبت التاريخ و التجارب المتعاقبة أن كلما تدخلت المؤسسات المانحة و حل الخراب و الفوضى و الاضطرابات الاجتماعية وتعطل الإنتاج وتدخل البلاد في دوامة العنف والاعتقالات ..

فبكل المقاييس لايمكن للحكومة تمرير املاءات و لا اكراهات صندوق النقد الدولي و لا المضي قدما في الإصلاحات الكبرى الا بموافقة اتحاد الشغل أو إستبعاده مايفتح باب الصدام بينهما على مصراعيه. فالحكومة ترفع الفيتو أمام الزيادة في الأجور وتستمد إصرارها من انتصار معنوي جاء من داخل مجلس نواب الشعب سمح للشاهد مواصلة عهدة حكمه زاده دعم خارجي.

في المقابل تتعالى تصريحات القيادة النقابية بأسلوب التحدي و الوعيد إلى حين الحصول على تعديل يكبح انهيار المقدرة الشرائية للمواطن أمام انهيار الدينار و غلاء الأسعار. وحيال هذا الواقع تتحرك ماكينة اتحاد الشغل عبر التعبئة و تجييش النقابيين في رسائل واضحة للفاعلين السياسيين مفادها أن الاتحاد معني بالاستحقاق الانتخابي القادم وأنه جاهز ليكون سدا منيعا للغرف السوداء التى تعمل ضد مصلحة الاتحاد والوطن حسب ما صرح به أمين عام المنظمة الشغيلة رسائل واضحة تلقتها الحكومة التونسية الشابة التى تدرك أن هامش المناورة السياسية ضيق وان عقارب الساعة تدور عكس رغبة طموحاتها المستقبلية… وان كل خطوة تصعيدية ضد الاتحاد ستكون ارتداداتها عكسية على نتائج صندوق انتخابات 2019.

الشاهد المنتشي بانتصار سياسي على حساب القصر الرئاسي و مابقي من النداء يعلم أن مستقبل كيانه السياسي الجديد لن يرى النور الا بترويض الاتحاد وان اي تصادم معه هو إعلان عن نهاية البداية بالنسبة له ويقلص من حضوظ فوزه في الاستحقاق الانتخابي القادم ماجعل الشاهد أمام معادلة سياسية مبنية على فرضيتين اما تأجيل الصدام في إطار الحرب سجال يوم علينا ويوم لنا أو الرضوخ وتمرير املاءات صندوق النقد الدولي الذي نبه في بيانه الأخير الدولة التونسية من مغبة الزيادة في الأجور ووضعها أمام معضلة تنفيذ تعهداتها الدولية إزاء المؤسسات النقدية وبذلك يكون الحل المضي قدما في خيارات مؤلمة اقتصاديا و اجتماعيا.

من الناحية الفرجوية نحن نشهد صراع الجبابرة بين الشاهد مقابل الطبوبي لكن الغوص في المشهد قليلا يظهر حجم انخرام موازين القوى مما يجعل من وجود غرفة سوداء تدير البلاد حقيقة ملموسة وليس خيال وهو ما يجعلنا نؤمن ايضا بنظرية المؤامرة..

 

الصحفي: “اسكندر العلواني”

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.