سيدي بوزيد: منجم الفسفاط بالمكناسي .. ثروة مهدورة وعمال مكبلون بظروف اجتماعية قاسية

اكوام من الفسفاط مكدسة على بعد عشرات الأمتار من المسلك المؤدي الى منجم الفسفاط بمنطقة الجباس بمتعمدية المكناسي من ولاية سيدي بوزيد، تنتظر الرفع، ثروة مهدورة كان بالامكان ان تغير واقع شباب المنطقة والواقع التنموي الى أفضل حال فقط لو تم تثمينها.

الطريق الى منجم الفسفاط مهيأة، وكميات الفسفاط مكدسة على بعد 200 متر من لافتة المشروع، لتجد بعد أكثر من كيلومترين منجم الفسفاط، جبال ومرتفعات تمت تسويتها بالأرض بعد أن تم استخراج كميات الفسفاط والجبس منها، وتم تكدسيها في أماكن متباعدة ليقع رفعها في مرحلة لاحقة، مشهد لحضيرة أشغال تواصل العمل فيها مدة سنة ليتوقف كل شيئ بعدها

يتميز منجم الفسفاط بالمكناسي عن الحوض المنجمي بالجنوب الغربي، وفق المهندس المتقاعد من شركة فسفاط قفصة نور الدين زارعي، بعديد النقاط، فاضافة الى النوعية الجيدة للفسفاط، فان النسق الفسفاطي بالمنجم يتكون من طبقة واحدة، سمكها يزيد عن 15 مترا، وهي تفوق مجموع سماكة الطبقات الفسفاطية التي تكون النسق الفسفاطي بالحوض المنجمي بالجنوب الغربي والتي لا تتعدى 13 مترا

بمنجم الفسفاط “الجباس”، لا يمكن الحديث على استغلال انتقائي لانها طبقة وحيدة ونظيفة من الشوائب الكلسية او الطينية، خلافا لما يوجد بالحوض المنجمي بالجنوب اين تصل الطبقات في بعض الاحيان الى 10 طبقات بينية طينية أو كلسية أو صوانية وهو ما يرفع تكاليف استخراج الفسفاط به الى تكاليف باهضة ومشطة، وفق ذات المصدر.

يتكون منجم الفسفاط بالمكناسي من 4 مقاطع (مقطع بمنطقة الجباس ومقطع بمنطقة عبد الله ومقطع بمنطقة قرقيبة ومقطع بمنطقة كاف النسور)، وتقدر مدخرات مقطع “الجباس” ب 17 مليون طن، و92 مليون طن في بقية المقاطع، وهي كميات يمكنها ان تعمل لمدة 40 سنة بمعدل أكثر من مليوني طن سنويا، اضافة الى مادة الجبس التى تقدر مدخراته ب92 مليون طن سنويا.

“مشروع منجم الفسفاط بالمكناسي”، تم اقراره منذ 29 أفريل 2013، وأبرم 164 عاملا عقودا للعمل فيه منذ 15 مارس 2019 ليباشروا العمل في 30 افريل 2019، عقود انتهت بعد سنة عمل بتاريخ 30 أفريل 2020، دخل بعدها العمال في سلسلة من الاحتجاجات للمطالبة بتسوية وضعياتهم ومواصلة العمل

مطلب عمال منجم الفسفاط بالمكناسي، وفق ما اوضحوه في تصريحات ل(وات)، تتمثل حسب احدهم، ضاوي جوادي، في تفعيل عمل المنجم عاجلا، وتسوية وضعياتهم المهنية بما يضمن حق 164 عائلة في العمل والكرامة، فبطالة عمال منجم الفسفاط تتواصل للشهر الثالث على التوالي وهو ما جعلهم حسب ماهر سليمي، في وضعية “مزرية” حيث كان من الممكن ان تجد شركة فسفاط قفصة والسلط المحلية والجهوية والمركزية حلولا لهم ولعائلاتهم خاصة وانها تشغل الاف العمال ولن يثقل كاهلها 164 عاملا يعيلون أسرا فيها اطفال و شيوخ ومرضى، وفق تقديره

ووصف سليمي منجم الفسفاط بالمكناسي ب”الكنز” المنتج للثروات الباطنية، واكد انه يمكن ان يكون حلا لمشكل البطالة التي “تلتهم ابناء الجهة وتغرقهم في متاهات”، خاصة اذا ما تم الالتزام بتصريحات سابقة لمسؤولين من وزارة الطاقة والمناجم في أكثر من منبر حول المقدرة الكبيرة للتشغيل التي يتميز بها، والتزموا بما تعهدوا به بفتح مناظرة لانتداب 400 عامل بالمنجم اثر انطلاق المشروع، وهو ما لم يحصل، بل ووجد 164 عاملا أنفسهم محالين على البطالة دون حقوق.

وشدد شوقي زارعي (عامل بالمنجم) على مطالبة العمال بتطبيق الاتفاقيات السابقة واحترام العمل بمبدأ استمرارية الدولة وخاصة الالتزام باتفاق جويلية 2017 الذي يحمل كل التفاصيل الخاصة بانتداب 164عاملا (تم قبول 24 عاملا اثر التفويت في أرضهم لفائدة المشروع عن طريق تشغيل فرد من كل عائلة و93 عاملا تم قبولهم في المناظرة وتمت اضافة 47 اخرين لتفادي موجدة الاحتقان الاجتماعي)، وهو اتفاق تمت المصادقة عليه من طرف كاتب الدولة للمناجم والمدير العام للمناجم حينها

واضاف زراعي انه تم التنكر لكل الالتزامات السابقة خلال جلسات أفريل وماي وجوان 2020، وقدمت وزارة الاشراف خيارات جديدة “تمس من حق عمال منجم الفسفاط وفيها الكثير من المماطلة”، وهو ما جعل عمال منجم الفسفاط يفقدون الثقة في الوزارة ويطالبونها بتطبيق الاتفاقيات السابقة فقط.

واعتبر سمير زارعي (احد العمال) ان الدولة “مجبرة على تطبيق الاتفاقيات السابقة ومطلب العمال الادماج صلب شركة فسفاط قفصة دون مماطلة” ذلك أن عمال المنجم فقدوا ثقتهم في كل الاطراف المسؤولة بعد ان ثبت اعتمادهم لسياسة ال”مراوغة وعدم الوضوح” ولم يلتزموا بالاتفاقيات السابقة في اكثر من مناسبة، وفق قوله.

من جانبه، أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد محمد لزهر قمودي ل(وات) أن الاتحاد يتابع ملف منجم الفسفاط بالمكناسي منذ سنة 2013 ويساند عمال منجم الفسفاط “مساندة مطلقة”، واعتبر انه مشروع طالت مدة تعطله وكانت الاسباب عديدة من بينها المناظرة والتفويت في الاراضي وحاليا تسوية وضعية العمال.

وقال أن جلسات التفاوض حول ازمة منجم الفسفاط بالمكناسي مع وزارة الاشراف، انطلقت منذ شهر افريل الفارط بخصوص عدد العملة، والشركة التي يجب انتدابهم فيها، وطريقة استكمال عملهم، وقد تنصلت الوزارة من مختلف الاتفاقيات السابقة في مرحلة اولى وتم لاحقا الاتفاق على قبول 164 عاملا في شركة فسفاط قفصة، ولم يتم تحديد توقيت قبول العملة وهو الاشكال الحالي.

ومن جهته، أكد عضو مجلس النواب بدر الدين قمودي ل(وات) ضرورة الالتزام بما جاء في اتفاقية جويلية 2017 التي يتم بموجبها انتداب 164 عاملا والتي وقعت عليها وزارة الطاقة والمناجم عملا بمبدأ استمرارية الدولة ضمانا لحقوق العمال، وقد تنكرت الوزارة الحالية لوجود مناظرة، والحال ان المناظرة انجزتها الدولة عن طريق وزارة التكوين المهني والتشغيل وتم بموجبها الزام المشاركين فيها، منذ سنة 2013، بعدم مزاولة اي نشاط في القطاعين العام والخاص

وأضاف انه تم خلال سنة 2019 الاتفاق مع مقاول مناول من اجل استخراج كمية 600 الف طن من الفسفاط في اطار رخصة استكشاف، وتم التعهد بانتداب العملة في شركة فسفاط قفصة او اي شركة عمومية تحل محلها في مجال استغلال المنجم عند انتهاء مدة السنة، واوضح انه المدة انتهت ولم يتم استخراج كل كميات الفسفاط المتفق على استخراجها، على خلفية بعض العوائق اللوجستية (على غرار عدم تمكين المقاول من كميات المتفجرات الكافية في الفترة الاولى واستعمال المقاول لوسائل عمل غير كافية لاستغلال واستخراج الكمية المطلوبة).

وأكد أنه كان لا بد من النظر بجدية في الوضعية القانونية لعمال منجم الفسفاط ومآل المنجم قبل ان تتأزم الأوضاع بالمكناسي خاصة أن المنجم كبد الدولة مصاريف كبيرة تفوق 140 مليون دينار في شراء الاراضي واقتناء معدات تحت عنوان منجم الفسفاط المكناسي، وتم بعد التوقف نقل المعدات الى الحوض المنجمي بالجنوب.

وأكد انه لابد من الاستجابة لطلبات التشغيل والتنمية التي قامت من اجلها الثورة خاصة ان الدولة قدمت منجم الفسفاط بالمكناسي كحل من الحلول لامتصاص البطالة في الجهة، ولا بد من تفعيله في اقرب الاجال ولا بد من الحفاظ على حقوق العمال وتسوية وضعياتهم المهنية لحفظ السلم الاجتماعي بالمنطقة وحفظ حقوق العمال.

من جانبه، افاد والي سيدي بوزيد محمد صدقي بوعون في تصريح ل(وات) ان الحوار بين ممثلي عملة منجم الفسفاط بالمكناسي ووزارة الطاقة والمناجم والاتحاد الجهوي للشغل “في مرحلة متقدمة”، وان اغلب النقاط التى كانت محل خلاف “تم فضها وتسير نحو ايجاد الحلول بين كل الاطراف”، وبين ان منجم الفسفاط بالمكناسي “سيتبع شركة فسفاط قفصة”.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.