سوق السندات السيادية لتونس رهين أخطبوط دولي للمضاربة والتأثير واسع النطاق


تتباين القراءات بشان أداء السّندات السّيادية لتونس، الصادرة عن مكاتب ومؤسسات التحليل المالي، كما هو الحال لوضع البلاد، فحينا تكتسب هذه الادوات التمويلية، نوعا من الصلابة وتعتريها طورا حالة من الضعف ما يؤشر الى افتقاد صناعة المال في العالم الى الادوات الموضوعية للتقييم وتبني أساليب للتأثير وخدمة أجندات مالية دولية.

وتسعى وكالة تونس افريقيا للأنباء، امام الضبابية التي تشوب التقارير التي تعدها شركات ووكالات التصنيف، حول السندات السيادية لتونس، وهي أوراق مالية تصدرها المؤسسات وكذلك الحكومات كرقاع إثبات ديون تم الحصول عليها بأسعار فائدة واجل استحقاق محدد من مجموعة من الدائنين، ويمكن ان تكون مقومة بالعملة المحلية أو العملات الاحتياطية العالمية، مثل الدولار أو اليورو في صورة إصدارها وتداولها بالأسواق المالية الدولية، الى مزيد توضيح هذه المسالة والخوض في الجوانب الخفية لاختلاف عمليات التقييم .

سندات خاضعة للتأثير
أوضح الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق، محسن حسن، أنّ جزء من الدين الخارجي يدخل في اطار القروض الرقاعية، ويتمثل في اصدار سندات سيادية السوق المالية العالمية.
وتتغير قيمة السندات في السوق المالية العالمية نحو الارتفاع او الانخفاض بمفعول عدة عوامل تندرج في خانة قدرة الدولة على سداد السندات من بينها الترقيم السيادي، اذ كلما تراجع الا وتراجعت قيمة السندات وكذلك الوضع السياسي الذي كلما انخرم إلا وتراجعت قيمة السندات العالمية.

وتتأثر سوق السندات كلما وقع الإفصاح عن مؤشرات اقتصادية، لاسيما المتعلقة بنسبة النمو ورصيد الدولة من العملة الصعبة والعجز في الميزان الجاري وعجز الميزانية ونسبة الديون الخارجية و نسب البطالة..وهي كلها مؤشرات يعتمدها المستثمرون في السوق المالية العالمية للترفيع او التخفيض في أسعار السندات التي تمثل الدين الخارجي.

قارير متضاربة
كشف تقرير أصدرته “رويترز” في 18 أفريل 2023، ان أسعار السندات التونسية المقومة بالدولار، وهي سندات دين تضمن الدولة خلاصها، في الأسواق الدولية، سجلت تراجعا إلى مستويات منخفضة قياسية. وفسرت هذا التراجع بتأثير قرار حظر الاجتماعات في مقرات حزب حركة النهضة (الاسلامي)، مبينة أن معظم السندات أصبحت عند نصف قيمتها الاسمية تقريبا بعد انخفاضها بما يتراوح بين 2ر0 و3ر1 سنت (100 سنت يساوي 1 دولار أي حوالي 06ر3 دنانير تونسية حسب آخر تحديث في موقع البنك المركزي).

وقالت “رويترز” إن البنك المركزي التونسي يصدر السندات التي تواجه حالة ضعف في الوقت الراهن بسبب مخاوف من احتمال تخلف تونس عن السداد.

وتتضارب قراءة “رويترز” بشكل قاطع مع مذكرة نشرها بنك الاستثمار الأمريكي “جي بي مورغان” الأمريكي مؤخرا تشير الى تواصل جذب السندات التونسية لسنة 2023 للمستثمرين، بحكم ان “احتياطي النقد الأجنبي للبلاد يمكن ان يكون كافيا لتغطية العجز المالي حتى في صورة عدم التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج قرض.

واعتبر البنك أن الضغوطات المالية يمكن أن تؤثر على جهود السلطات داعيا الى ضرورة تركيز المساعي للتخفيض من العجز المزدوج، العجز التجاري وعجز المدفوعات، وضمان استدامة الاقتصاد على المدى الطويل.

كما شدد بنك “جي بي مورغان” في مذكرته على ان “أسعار السندات التونسية تبقى جذابة في مستواها الحالي، ولكن مردودها يبقى مرتبطا بوضع الإصلاحات.
يذكر ان الحديث عن تراجع أسعار السندات التونسية ليس بالجديد، اذ تداولت مصادر مالية في 6 أفريل 2023 معطيات حول تراجع السندات التونسية المقومة بالعملة الاجنبية بنحو 6ر4 سنتا مفسرة ذلك برفض رئيس الجمهورية قيس سعيد شروط برنامج صندوق النقد الدولي.

وكشفت بيانات موقع “ترايد ويب” أن الإصدارات التونسية المقومة باليورو تعرضت، بشكل خاص، لانخفاض كبير، إذ تراجعت أسعار السندات المستحقة في فيفري 2023 إلى حوالي 67 سنتا لليورو، وهو أدنى مستوى يسجل على هذا الصعيد منذ أكتوبر 2022.

كما أظهرت بيانات الموقع انخفاض السندات التونسية المقومة بالدولار بنحو 5ر3 سنت لتباع بنحو 50 سنتا للدولار.

فزاعة التخلف عن السداد
تدعو وكالات الترقيم وبنوك دولية، تونس منذ مدة إلى توقيع اتفاق مع صندوق النقد وتسوّق للاتفاق على انه الخيار الوحيد لإنقاذ المالية العمومية، باعتبار ان هذا التمويل سيفتح الباب امام الحصول على ثقة مختلف اصناف المانحين.

وتبين العديد من الدراسات والتقارير أن وكالات التصنيف والبنوك التي تضغط على تونس لتوقيع اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي لها دوافع سياسية واقتصادية تتجاوز ملف القرض الذي طلبته تونس، اذ تعد هذه الاخيرة، في الواقع، دولة ذات موقع استراتيجي جيّد، ولعدة تكتلات اقتصادية إقليمية مصالح معها مما يجعلها هدفًا جذّابًا للمصالح الغربية، على نحو خاص.

وتؤكد من جانب اخر مذكرات عديدة صادرة بالخصوص عن مراصد وطنية، كالمرصد التونسي للاقتصاد، واخرى دولية، كمنظمة “اوكسفام”، أنّ الشروط المنصوص عليها في اتفاقية القرض هذه تشمل تدابير تقشف تؤثر على الفئات الأكثر ضعفا من التونسيين، كما أنّ الإصلاحات الهيكلية قد تعرض في المدى القريب، القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد للخطر.

وقد يكون لهذه الإجراءات أيضا تداعيات سياسية، مثل اعتماد تونس المتزايد على القوى الغربية، والتي قد تمارس تأثيرا على السياسة الداخلية للبلاد.

ملاذات جديدة
أدى ظهور لاعبين اقتصاديين جدد مثل دول مجموعة “البريكس “، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، إلى تغيّرات هيكلية في النظام المالي العالمي وخلق منافسة متزايدة للدول الغربية.
وتعالت في هذا الإطار عديد الأصوات في اجتماعات الربيع التي نظمها، مؤخرا، في واشنطن البنك الدولي لإصلاح نظام “بروتن وودز” وضمان تأقلمه مع المعطيات الجيواستراتيجة الجديدة في العالم.

وتسعى عدة أطراف خارجية، واهمها مؤسسات الترقيم، وأخرى داخلية، كالبنك المركزي التونسي ووزارتي الاقتصاد والمالية، الى التأكيد بانه لا وجود لبديل عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لإصلاح توازنات المالية العمومية وضمان قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها وتحسين قيمة سنداتها السيادية في الأسواق المالية الدولية.

غير ان عدة عوامل مثل وضعية احتياطي النقد ومستواه الآمن نسبيا فضلا عن وجود إمكانيات مهمة للجوء البلاد للاقتراض الثنائي وتوفر موارد مهمة ينتظر ان تتأتى من تسويات الصلح الجزائي لا سيما في الجانب الصرفي منه، تدحض هذه الاطروحات المشددة على انه لا مفر من التواجد باستمرار في مربع صندوق الدولي والبنك الدولي ومؤسسات “بروتن وودز”، وهي التي فقدت الكثير من مواقع نفوذها وحصصها في تمويل اقتصادات العالم لا سيما في إفريقيا ودول عدية من الشرق الأوسط.

تقييمات متعمدة ومقارنات
يرى بعض الخبراء ان ملف قدرة تونس على سداد ديونها تم تسييسه وذلك خصوصا من قبل مؤسسات الترقيم وبعض البنوك الدولية، التي تخصص تقريبا كل أسبوع تقريرا لتونس تقارنه فيها بدول في غاية التعثر.

ويرى هؤلاء المحللون انه لا توجد تفسير لهذا التركيز على تونس وسنداتها السياسة والذي اخذ، الى حد بعيد، طابع الحملة الفاقدة للمعايير والمنهجية العلمية الدقيقة في التقييم.

ويمكن فهم دفع شركات الترقيم والدوائر المالية العالمية وضغطها على تونس للاقتراض من صندوق النقد بتعلة فتح نوافذ الأموال وتحسين قيمة سنداتها وذلك في سياق البحث عن مصالحها المالية، بيد انه من الصعب جدا قبول مثل هذه الاقوال من جهات وهياكل رسمية، تدعي في عدة حالات الاستقلالية، ويفترض بشكل لا ريب فيه ان تعمل في تناغم اقتصادي وسياسي مالي تام لتنفيذ سياسات الدولة ككل.

واكدوا وجود فرصة كبيرة امام تونس في ظل وضع رئيس الجمهورية قيس سعيد النقاط على الحروف للخروج من بوتقة مشروطية صندوق النقد الدولي والمقرضين الدوليين، ودعمه لرسم معالم منوال تمويلي جديد يقوم على دعم الموارد الذاتية، وهي التي تطورت كثيرا خصوصا على المستوى الجبائي بواقع 5ر3 مليار دينار في 2022.
ويعتبر موقف سعيد من مخاطر التقشف المفروض من الدوائر المالية العالمية موقفا واضحا، اذ أنّ الآثار المدمّرة لهذا التقشف توشك اليوم ان تطيح بدول كبيرة في أمريكا اللاتينية وآسيا والعديد من مناطق العالم، وفق مختصين.

وتتجلى في هذا السياق، ضرورة أن تحافظ القوى الغربية على نفوذها عبر بنوكها وأقطابها المالية على تونس وأن تضمن عدم تحول البلاد إلى شركاء اقتصاديين جدد، ومن ثمة فإن الضغط، الذي تمارسه وكالات التصنيف والبنوك، يهدف إلى ضمان استمرار اعتماد تونس على القوى الغربية في ما يتعلق بالتمويل والاستثمار.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.